عودوا تعود الدولة!

لايمكن إنهاء الإنقلاب واستعادة الشرعية والنخبة الحاكمة قد تحولت إلى مجموعة من المغتربين خارج الوطن.
 
حين ينتظم جدول المسؤولين والقادة السياسيين على الوضع في بلد آخر غير بلدهم ويتأقلمون مع الوضع الجديد لن يكون لديهم من الحماس والفاعلية ما يجعلهم قادرين على إدارة معركة استعادة الدولة بكفاءة.
 
مضى عام ونيف وحركتهم لا تتعدى المساحة بين غرف نومهم في فندق الموفنبيك وبين المطعم واللوبي الذي يلتقون فيه ويقضون وقتاً طويلاً للفضفضة وتذكر الأيام الخوالي، فكيف يمكن لهم أن يتحرروا من هذا الروتين الذي طبع حياتهم لما يزيد عن أربعمئة يوم.
 
مجموعة أخرى في قصر افتراضي يمنحهم أبهة وفخامة أكثر لكنه لا يمنحهم سلطة حقيقية ولا يمكنهم من الشعور بأنهم قادة حقيقيون يصدرون الأوامر والتوجيهات ويتابعون عملية تنفيذها على الأرض.
 
هل يتخيل أحدكم أن يكون يوماً ما رئيساً أو وزيراً وهو ينتظر راتبه من دولة أخرى غير دولته؟! وضع نشاز يجب أن ينتهي على الفور.
 
صرحت قيادة البلد أكثر من مرة أنها بدعم ومساندة قوات التحالف العربي تمكنت من استعادة ٨٠٪ من مساحة اليمن وأن ما تبقى تحت سيطرة الإنقلابيين لا يتعدى عشرين في المئة، هل تتحدثون كمسؤلين فعلاً أنجزوا جزءاً من مهمتهم أم أنكم فقط تصفُّون عهدة على طريقة مقاولي المشاريع الوهمية؟!
 
إن كنتم صادقين فيما تقولون وتشعرون بالفعل أنكم أنجزتم فعودوا إلى مساحة الثمانين في المئة من الأرض التي أصبحت خارج سيطرة الإنقلابيين، وإن كنتم غير قادرين على تأمين كل هذه المساحة فأمنوا منها ١٠٪ لتمنحوا أنفسكم مقراً مؤقتاً تنطلقون منه لتأمين وتحرير بقية البلد.
 
سيقول أحدهم لا أحد يخرج من بلده مختاراً وإنما خرجنا جميعاً مجبرين، وهذا الكلام صحيح لكن طول فترة بقائكم في عاصمة المملكة تسبب في حالة من الاسترخاء جعلتكم أقل فاعلية وتبدون في نظر الشعب، الذي يخوض معركة استعادة الدولة، أقل جدية.
نمط الحياة اليومية الذي تعيشونه لا يجعلكم مؤهلين لمهمة تحرير البلد..
 
في مارب والجوف وحضرموت وشبوة وعدن يمكنكم، إن أردتم، أن تجدوا أماكن ملائمة للإقامة وإدارة المعركة عن قرب، سواءاً تحدثنا عن إدارة الحرب أو إدارة ما بعد الحرب في المناطق التي أصبحت محررة بالكامل، فلا يمكن أن تنجز أي من المهام الكبيرة إلا بحكومة موجودة على الأرض وليس بحكومة من المغتربين.
 
عودوا تعود الدولة، عودوا تستعيد اليمن عافيتها، وإلا فأنتم باختياركم البقاء في المنفى تجعلون المعركة لانهائية ولو وقف معكم العالم كله، وتجعلون المناطق المحررة من سيطرة الإنقلابيين لقمة سائغة لعصابات جديدة لا تقل سوءاً وبشاعة عن عصابات الحوثي.


بقاء الساحة فارغة من رجال الدولة ومؤسسات الدولة يفتح الشهية أمام المشاريع الصغيرة والمشبوهة لتفرض نفسها واقعاً جديداً قد يتسبب في اندلاع صراعات عنيفة في وقت لاحق تلتهم نيرانها ما تبقى من كيان الوطن.


 
ولو تواجدت الدولة بمؤسساتها ورجالها على الأرض ستتمكنون من توفير موارد بديلة لتمويل أنشطة وتحركات الحكومة، وحين تكفون عن التعويل على خزينة الجيران ستفكرون بجدية في تنمية الموارد وتحريك عجلة الاقتصاد بعيداً عن هيمنة الانقلابيين ونحكمهم في موارد البلد، وسيجد العالم نفسه مجبراً على السماح بنقل المركز المالي أو إيجاد نظام مالي بديل يحاصر الإنقلابيين ويجعلهم يسقطون اقتصادياً قبل أن يسقطوا عسكرياً.


 
كانت أكبر التهم الموجهة لرئيس الوزراء السابق بحاح أنه عطل كل شيء ولم يقم بأي من المسؤوليات التي يمليها عليه موقعه كرئيس وزراء أو كنائب للرئيس، وهاهم البدلاء يكررون نفس الحالة وبتصرفهم هذا يمنحون المتهم صك براءة بقبولهم البقاء في مقاعدهم الوثيرة في بيت الجيران واستسهالهم إطلاق التصريحات والخطابات دون أي حركة حقيقية على الأرض.
 
كانت زيارة المسؤولين الحكوميين للمناطق المحررة تستغرق أياماً وأسابيع بينما استغرقت زيارة رئيس الوزراء لمدينة المكلا الأسبوع الماضي بضع ساعات فقط.
 


من كان يخاف على حياته أكثر من اليمن فلا يشرف اليمن أن يكون في موقع رسمي يتنعم باسمه، نحن بحاجة إلى حكومة فدائيين في هذه المرحلة الحرجة والصعبة، بحاجة إلى قادة مستعدين للتواجد في الميدان في أصعب الظروف، وليس إلى مجموعة من الموظفين المهتمين بمتابعة مستحقاتهم والمتبرمين من تكرر الأطباق في البوفيه المفتوح.


 
غياب الحكومة عن الأرض هو ما يفتح المجال أمام الأطراف الدولية الراعية لمشاورات السلام للحديث عن تشكيل سلطة بديلة، لأنكم الآن ومهما غالطتم أنفسكم سلطة افتراضية لا تؤمن خائفاً ولا تطعم جائعاً.


 
عودوا وإلا فوطِّنوا أنفسكم لخيارات سيئة سيفرضها العالم وسيضطر الجيران للقبول بها.