تغيير الديموغرافيا السكانية.. سياسة حكم الأئمة (1-2)


أخبرني أحد الزملاء بأن سلطة الانقلاب الإمامية لا تزال مستمرة في توزيع أراضي الدولة في الحزام الأمني حول صنعاء على عناصرها السلالية وأتباعها المتمذهبة، حيث كانوا قد وزعوا على من أسموها أسر شهدائهم مساحات كبيرة تتجاوز في مجملها مساحة دولة لبنان مثلا، وآخر ذلك -بحسب هذا الصديق- ما تم بداية شهر رمضان منح أحد أقارب القيادي في مليشيات الانقلاب محمد مفتاح قطعة أرض كبيرة في منطقة بني مطر بالقرب من معسكر القوات الخاصة.



ولكي نفهم هذه العملية على حقيقتها يجب وضعها في سياقها الموضوعي ضمن إطارها التاريخي لمحاولات الأئمة في اليمن تغيير الديموغرافيا السكانية للمناطق التي لا تخضع لسلطتهم السياسية أو المذهبية بما يلبي حاجتهم في احلال عناصرهم كبؤر ارتكاز لإخضاع تلك المناطق من الداخل والتأثير على خارطتها العقدية الخادمة لمشروع الأئمة .



والمتتبع للتاريخ المعاصر والقريب لحكم الأئمة في اليمن يجد ثلاثة نماذج لمثل هذه السياسة التي يتم العمل عليها لتحقيق مفهوم حرث الأرض وتغيير الديموغرافيا السكانية، خصوصا في المناطق ذات الأكثرية الشافعية .



النموذج الأول: في محافظة البيضاء وهي المنطقة التي ظلت حجر عثرة أمام طموحات حكم الأئمة المختلفين في إخضاعها لسلطتهم الكاملة، والتي ظلت كذلك منطقة محسوبة على التوصيف الشافعي المتماسك قبليا، حيث عزز من ثبات مناطق البيضاء على هذه الحالة أنها لم تخضع لسلطات الاحتلال الانجليزي جنوبا، ولا لسلطات التواجد العثماني شمالا، ولم يتمكن أئمة البطنين من بسط كامل نفوذهم عليها مقارنة بالمناطق الأخرى، حيث كان مشائخها يمتلكون من السلطة على قبائلهم أكثر مما كان يمتلكه إمام المركز، لذلك بقيت محافظة على هويتها الفكرية وعاداتها الأصيلة.



بقيت هذه المناطق التابعة للبيضاء مسجلة في سجل الحقد السلالي للأئمة المتعاقبين على الحكم، حتى بداية العقد الثالث من القرن الماضي حيث كانت قد أرهقتها المشاكل الداخلية والنزاعات القبلية، فسنحت الفرصة للإمام استثمار ذلك الوضع وخصوصا المشاكل التي دارت بين بعض الأسر الكبيرة منها أسرة الحميقاني وأسرة الرصاص ليتدخل بجيش عقدي (زيدي) كبير لإخصاع تلك المناطق عسكريا، واستباحة ممتلكاتهم، وتوزيع أراضيهم على عرايف الجيش كمكافآت على المذابح والخراب الذي أحدثوه، وقد كان اجتياحا انتقاميا بربريا يشبه ما قام به حفيد الأئمة الجديد (الحوثي) حين ظهر حقده على المناطق التي كانت شوكة في نحر طموحاته التوسعية كقبيلة أرحب مثلا التي فجر في قرية واحدة من قراها واحد وعشرين منزلا في يوم وليلة.


وقد عبر أحد شعراء البيضاء عن أحداث تلك الحقبة وصور اجتياح ذلك الاحتلال الذي غير الديموغرافيا السكانية في البيضاء بزامل قال فيه:

(يادرب ذي ناعم وياحيد السماء
بتخبرش كم جت من القبلة زيود..
خمسه وسبعين الف ذي عديت انا
من عسكر الشامي توطي يالحيود).


وهنالك من يشير بأن هذا الاجتياح الإمامي البربري صادف يوم الأربعاء، ما جعل أبناء البيضاء ينظرون إلى هذا اليوم نظرة تشاؤم حيث كسرت فيه هيبتهم وكرامتهم وهم الكرام أبناء الكرام ...


يتبع في الحلقة الثانية التطرق لمحاولة الأئمة تغيير الديموغرافيا السكانية الشافعية لبعض مناطق محافظة إب، من خلال توزيع مساحات شاسعة لأسر مشائخ من منطقة برط كأسرة أبو راس وأسرة دماج وغيرهم كديات قتلى، وكيف انقلب السحر على الساحر. وكذلك دور الهجر سواءا كانت هجر مناطق أو هجر أشخاص الذين تم نشرهم في مختلف المناطق..