السعودية وتهاوي الحلفاء

يخيب أمل المملكة العربية السعودية في حلفائها يوما بعد آخر بدءا بالولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي الأهم وليس انتهاء بمصر السيسي.

 


فبعد أن وجدت نفسها محاصرة بفعل الهلال الشيعي والذي يوشك أن يتطور إلى دائرة محكمة بدعم علني من نظام ولاية الفقيه في إيران مدفوعا بطموحات امبراطورية واضحة؛ تتوالى عليها الضربات الدبلوماسية والسياسية على شكل تصريحات وتحذيرات أو مواقف وتسريبات ..
وبات من نافلة القول بأن السعودية مستهدفة سياسيا ودينيا وجغرافيا من الأعداء والأصدقاء على حد سواء إلى درجة أنها لم تعد تعرف من أين ستأتي الضربة القادمة ..

 

 

السعودية التي ظلت خلال السنوات الأخيرة مسكونة بفوبيا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فعملت بكل الطرق على محاربتهم أي الإخوان والحيلولة دون وصولهم إلى حكم أي قطر عربي وتوجت ذلك بتدخل جريئ وغير مسبوق لإقصائهم من الحكم في مصر منتصف 2013 وإصدار مرسوم ملكي باعتبارهم جماعة إرهابية يجب محاربتها والتنكيل بأعضائها لتتفاجأ بتنظيم دولي شيعي يفرض سيطرته في المنطقة ويلتهم الدول الواحدة بعد الأخرى ويدخل المنطقة برمتها في دوامة من الصراع الدموي، ومع ذلك توسعت فوبيا الإخوان لتشمل كل ما يسمى بالإسلام السياسي بما فيه النسخة التركية وبينما المملكة تحاول أن تحتوي هذه الحركات والجماعات الإسلامية بمختلف الوسائل والأساليب إذا بها تفاجأ بما يمكن تسميته إسلام بنسخة روسية ..

 


هذه المرة جاءتها الضربة غير المتوقعة من العاصمة الشيشانية غروزني على شكل مؤتمر إسلامي نظمته مؤسسة تتبع رجل دين يمني مدعوم من نظام حليف رئيس للملكة في حربها على الحوثيين في اليمن ويحمل عنوان "من هم أهل السنة والجماعة " المؤتمر المدعوم روسيا والذي استبعد المملكة -وهي المتزعم للعالم السني- من أي مشاركة فيه أثار غضب الأخيرة ومازالت ارتداداته تتفاعل في مختلف الأوساط السياسية والدينية والثقافية السعودية والعربية ..

 

 

السعودية بقيادتها الجديدة وبعد أكثر من عام على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم أتضح أن انفتاحها على الجماعات والحركات الإسلامية بعد حالة من الجفاء ثم الحرب المعلنة التي شهدتها السنوات الأخيرة من حكم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لم يكن إلا انفتاحا تكتيكيا غير قابل لأن يتطور إلى تحالف استراتيجي تمليه الضرورات التي تعصف بالمنطقة.

 


وكما أن التحالفين الذين أطلقتهما المملكة واستبشر بهما كثيرون ولدا مشوهان بالنظر إلى التردد والتحفظ الذي أبدته عدد من الدول التي أعلنت المملكة أنها مشاركة بهما علاوة على التباين والتضارب في المصالح بين عدد من الدول المنخرطة فيهما وبالذات التحالف الذي يخوض حربه في اليمن ..
فإن الملك سلمان اكتفى بالتقاط الصور في المناسبات العامة مع مفكري ورموز الإسلام السياسي ليس إلا؛ وبذلك استطاعت المملكة أن تعود بموقفها من الجماعات والحركات الإسلامية المعتدلة إلى المنطقة الرمادية المحببة لها وغضت الطرف عن الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له أعضاء هذه الجماعات من أهم حليفين لها مصر ودولة الإمارات ..

 

 

لم يعد خفيا بأن لدولة الإمارات العربية طموحات كبيرة في المنطقة لتأمين مصالحها وأنها تسعى لتحقيق ذلك بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة ..

 


إلا أنه لم يكن متوقعا بأن تتجه الإمارات نحو تشكيل مرجعيات دينية سلفية تتعارض مع الفكر السلفي الوهابي في المملكة السعودية ويتضح ذلك من التسريبات التي تم تداولها قبل فترة لمحادثات بين القيادي الجنوبي المثير للجدل هاني بن بريك وزير الدولة في حكومة هادي و قائد الحزام الأمني للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن المدعوم إماراتيا وشخصيات مستقطبة وخلاصتها التوجه نحو إبراز شخصيات دينية سلفية في عدن غير تابعة أو متعاطفة مع المرجعيات السلفية في بلاد الحرمين وكادت أن تمر هذه التسريبات مرورا عابرا رغم الاستهداف الممنهج للخطباء والدعاة في عدن ومعظمهم من التيارات السلفية المرتبطة فكريا بالسلفية السعودية إلا أن تصريحات بن بريك النارية بخصوص توقيع ميثاق شرف يضبط إيقاعات العمل الدعوي في اليمن والذي وقع في الرياض برعاية وزارة الأوقاف السعودية وهاجم فيها وزير الأوقاف السعودي شخصيا أكدت تلك التسريبات وفي نفس الوقت أكدت التوجه الإماراتي والذي جاء مؤتمر غروزني ليعززه كون المنظم له مؤسسة يرأسها الحبيب الجفري رجل الدين المثير للجدل كذلك والمدعوم إماراتيا، فابن بريك وبغض النظر عن أفكاره وتوجهاته رجل صادق يقول ما يؤمن به ويخطط لأجله بشكل عفوي دون أي حبكة سياسية ..

 

وواضح أن أنظمة عربية تحارب الجماعات والحركات الإسلامية المعتدلة فشلت في إقناع حكومات أوروبية بمقدمتها بريطانيا في سن قوانين تجرم هذه الجماعات وأنشطتها كون المؤسسات هي التي تحكم هذه الدول وليس الأشخاص أو الأحزاب ولذلك لجأت إلى روسيا بوتين حيث يحكم الفرد كما العرب لدعم توجهاتها واستنساخ فكر إسلامي مميع يناسب هواها ويتناسب مع توجهاتها المستقبلية وهذا المحور العربي الروسي بات واضحا للعيان ..

 

المستغرب أن الغضب السعودي انصب على مصر وشيخ الأزهر فيما الداعم الحقيقي والمحرك لكل هذه التوجهات ما زال في منأى من الانتقادات السعودية رغم الكوارث التي ترتكب في اليمن في سبيل تحقيق ذات الغاية والمقصد التي كشفها مؤتمر الشيشان .