اليمن .. جغرافيا ملغومة

تحدث مسئول يمني كان مقيما في سوريا لفترة قبل أن يعود ويتقلد منصبا تنفيذيا في نظام الرئيس هادي بأنه التقى القيادي في حزب الله اللبناني المكنى بأبي مصطفى والذي كشفت الأحداث مؤخرا بأنه كان صاحب القرار النافذ في الملف اليمني ضمن المخطط الإيراني الكبير في المنطقة المسمى ب "حرث الأرض " وذلك في سوريا عام 2010 وتحدثا باستفاضة عن الوضع في اليمن وتفاجأ عندما وضع أبو مصطفى بين يديه خارطة للجغرافيا الممتدة من حرف سفيان وحتى البيضاء وأتبعها بقوله هذه المنطقة بالسيطرة عليها تمهد الطريق للسيطرة على اليمن ثم أخذ يؤشر باهتمام كبير إلى منطقة الصفراء الفاصلة بين الجوف ومأرب قائلا بأنها نقطة تحكم بالغة الأهمية ..

وواصل أبو مصطفى الحديث عن الجدعان شمال مأرب والتي تعد الصفراء جزءا منها قائلا بأنها تسننت بفعل التقسيم الإداري الذي قسمها إلى جدعان مأرب وجدعان نهم التابعة لمحافظة صنعاء وكيف أن حياة البداوة لعبت الدور الرئيس في تحول جدعان مأرب إلى الفكر السني حسب وصفه، فيما البيئة الجبلية ساعدت جدعان نهم على البقاء ضمن الفكر الزيدي ..

ولذلك كانت الصفراء وجهة الحوثيين الأولى بعد أن استكملوا سيطرتهم على محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان في 2011
وجميع الحقائق التي كشفتها الأحداث الأخيرة تقول بأن التنظيم الذي تمثله الحركة الحوثية اليوم كان مستوعبا للطبوغرافية اليمنية بشكل كبير ولذلك عمل منذ زمن بعيد وبشكل غير مُلفت على إحداث تغيرات ديمغرافية تمهيداً لإحكمام السيطرة الكاملة عليها وأن الحوثيين في 2014 حصدوا ثمار ما زرعه أجدادهم منذ زمن ..

وكما يلجأ الحوثيون اليوم إلى زراعة الألغام قُبيل طردهم من أي منطقة كانت تحت سيطرتهم ومن قبل ذلك زراعتهم للخرافات في الفكر الديني على أنها من أسس وثوابت الدين الإسلامي كخرافة الحق الإلهي في الحكم والتمييز السلالي .. الخ
فهناك من عمد وبشكل مخطط ومدروس إلى تلغيم الجغرافيا بزراعة قنابل بشرية على شكل تجمعات سكانية واستغل جهل الناس وعاطفتهم الدينية تجاه آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليوزع هذه العناصر على شكل حكام وفقهاء ومسئولين تملكوا المساحات الواسعة والأراضي الخصبة وتسيدوا الناس على حين
غفلة من الجميع ..

والمتتبع اليوم للأحداث بتفاصيلها يجد كيف أن الجغرافيا السكانية ساعدت الحوثيين في توسعاتهم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا كون تجمعاتهم قد توزعت على المناطق الاستراتيجية والحساسة منذ زمن وعملت على تفجير الأوضاع من الداخل في الوقت المناسب والمخطط له فتجد ما يسمى بالأشراف في منطقة الصفراء المذكورة آنفا وفي الغيل القريبة منها ولذلك تستميت الميليشيات الحوثية في المحافظة عليها- أي الغيل - رغم ضغط الجيش والمقاومة كون تواجدهم فيها يخفف نوعا ما خسارتهم للصفراء التي تمكن الجيش الوطني مسنودا بالمقاومة من استعادتها في مارس من العام الحالي .

كما هو لافت للانتباه أثناء التنقّل بين محافظات مأرب والجوف حديث الناس عن مناطق الأشراف وكيف أن هذا المسمى يتكرر و كأنه قَص و لصق .
كذلك هو الحال في بقية المحافظات وعلى سبيل المثال محافظة إب فقد تفاجأ الجميع بعدد من السلاليين وهم يكشرون عن أنيابهم للسطو على كل مؤسسات المحافظة ومرافقها باعتبارها حقا أصيلا لهم .
والأمر يعود إلى عمل مضني بذلته عناصر المشروع السلالي في استقطاب عدد من الواجهات الاجتماعية وشحن العقول بالخرافات الدينية ويكفي أن نشير هنا إلى محاولة أحد السلاليين وخلال جلسة مقيل إيهام الشيخ الراحل عبدالعزيز الحبيشي بأنه منهم فقال يا شيخ عبدالعزيز أنتم من آل بيت النبي وأخذ يسرد له نسبه متنقلا من جد إلى آخر حتى وصل به إلى آل رسول الله وهي محاولة للضحك على الشخصيات الاعتبارية وتخديرها بمثل هذه الخزعبلات كي لا تقف في مواجهة مشروعهم الكهنوتي .

أما في تعز ونظرًا لحساسية المجتمع التعزي تدثر السلاليون بدثار الصوفية والتصوف لتجنب أي صدام مبكّر وتنوعت أساليبهم في المحافظات الأخرى ليكتشف اليمنيون أنهم يقطنون جغرافيا مفخخة وتحيط بهم ألغام بشرية موقوتة ما إن دقت ساعة الصفر حتى انفجرت بهم وبأحلامهم فكان ما نشاهد ونرى من القتل والدمار ..