معركة تعز والمصير المحتوم

 


يخوض الجيش والمقاومة الوطنية في محافظة تعز فصلاً هو الأعنف من القتال مع تحالف الانقلاب الذي يضم قوات المخلوع صالح والحوثيين، على إيقاع تقدم كبير في معاقل الانقلابيين الواقعة شرقي مدينة تعز، وعلى نحو عزز من الاعتقاد بوجود حالة انفصام كامل بين الجهود السياسية التي فقدت مصداقيتها مؤخراً وبين مسار الحرب الذي يزداد رسوخاً في اليمن.

القتال أخذ شكل مواجهات حامية وغير مسبوقة في شوارع الأحياء الواقعة في تلك المنطقة، حيث تمكنت المقاومة من تطهير الأحياء والبيوت، واستعادة منشآت مهمة، ولكنها لا تزال تواجه صعوبة في السيطرة على القصر الجمهوري الذي يحتل مرتفعاً مهماً ويتحكم بالمدخل الشرقي للمدينة، وقد هيأه المخلوع صالح طيلة فترة حكمه كمقر عسكري محصن ومليء بالمخابئ ومخازن الأسلحة، وهو ما يفسر سبب تعثر المقاومة حتى الآن وعدم تمكنها من السيطرة عليه.

فالانقلابين لديهم ما يكفي من الأسلحة ولديهم تحصينات كبيرة في المرتفع الذي يحتله موقع القصر الجمهوري المدمر نتيجة الغارات الجوية.

لطالما خطط المخلوع صالح ليوم كهذا، ومع ذلك ها هو يفقد معظم هذه التحصينات، بما في ذلك منزله الذي لا يبعد كثيراً عن القصر الجمهوري، والكثير من المواقع العسكرية المهمة التي كانت بحوزة قواته.

وأعتقد أن صمود قواته وعناصر ميلشيا الحوثي في مدينة تعز ربما ينهار في القصر الجمهوري ومحيطه، إذا حصلت المقاومة على الدعم الكافي من الأسلحة واستمرت المواجهات بنفس الزخم الذي رأيناه خلال اليومين الماضيين.

لم تكن المعارك الدائرة في تعز معنية بالجدل الذي أثارته تصريحات كيري بشأن اتفاق بين التحالف العربي والحوثيين لوقف إطلاق النار والذي أكد المتحدث باسم التحالف العربي اللواء أحمد عسيري، أن العمليات القتالية مستمرة لأن التحالف لم يتلق طلباً من الحكومة اليمنية بذلك.

كان كيري في تصريحاته الأخيرة والتي قدمت الخارجية الأمريكية اعتذاراً عنها للرئيس هادي، قد أظهر الأمر وكأنه نزاع بين التحالف العربي والحوثيين، وهذا يحقق طموح الانقلابيين الذين كانوا يؤكدون دوماً أن ما يحدث في اليمن هو عدوان من تحالف أجنبي على اليمن الذي يمثلونه حصراً.

لقد مرت عاصفة تصريحات كيري بسلام على ما يبدو، وقد تحتاج الخارجية الأمريكية إلى طي صفحة سيئة من التأثير الأمريكي في مسار الأزمة اليمنية، والتي حولها من نموذج ناجح جداً للانتقال السياسي في المنطقة إلى بؤرة صراع خطيرة تهدد الأمن الإقليمي، عندما قرر كيري وطاقمه في الخارجية حرف مسار التسوية عبر الإيعاز للحوثيين للقيام بمهمة أمنية خاطفة في صنعاء تحولت إلى انقلاب مكتمل الأركان على السطلة الشرعية وعلى التسوية السياسية وعلى الإجماع الوطني، سرعان ما تحول إلى إنجاز إيراني لم تكن تحلم به طهران.

تشير المعارك الدائرة في تعز اليوم إلى نوع المستقبل الذي ينتظره اليمنيون في الانتصار إن تحقق عبر محافظة تعز فإنه سيعيد ترتيب الأولويات للاعبين الإقليميين والدوليين في هذا الملف الشائك، وسيحدد طبيعة الرهانات المستقبلية وبالتحديد على القوى التي لا تزال لديها الفرصة لكي تلعب دوراً مؤثراً في المستقبل.

من رحم المواجهات في تعز وليس من التصورات المهترئة التي يقدمها الوسطاء الدوليون، سيولد المستقبل الذي يريده اليمنيون، والذي يتطابق في تصوري مع شكل الدولة اليمنية الاتحادية المدنية الديمقراطية التعددية كمنتج لائق لأكثر من ست سنوات من المخاض العسير.