المغتربون اليمنيون.. هموم بلون الوطن

منذ خراب السد الأخير واليمنيون متشردون بحثا عن العيش الكريم، لم يستقر لهم قرار، على الرغم من الخيرات والثروات التي تكتنزها بلادهم.
هاجروا شمالا في الهجرات القديمة، ثم غربا في العصر الحديث باتجاه شرق أفريقيا. من بداية القرن العشرين، وفي شرق افريقيا كان عناؤهم لا يقل عن معاناتهم الداخلية في الوطن جراء ظلم الإمامة وبطشها، في زمن لا رعاية لمغترب ولا حقوق له، بحكم تقليدية العمل وبدائية التعاملات يومها، زادت نكبة اليمنيين أكثر بانقلاب منجستو هيلا مريام عام 1975م ضد الامبراطور هيلاسلاسي، في الحبشة "اثيوبيا" حين أمم الممتلكات ومنها ممتلكات التجار اليمنيين هناك، فكانت نكبة لا تقل عن نكبة عام 1990م التي جنتها سياسة الرئيس السابق الحمقاء، التي تسببت بعودة أكثر من مليون مغترب من الخليج العربي..!
وفي القصيدة الشهيرة "البالة" التي نظمها المؤرخ والأديب الراحل مطهر الإرياني رحمه الله تصوير لحالة اليمني المتشرد بعيدا عن الديار، عليه بؤس جان فالجان، وشقاء أطلس. كما صور ذلك العناء أيضا الرائي البردوني في قصيدة تاريخية بعنوان: غريبان وكانا هما البلد..!
إذا كان المواطن اليمني في الداخل يعيش هم وطنه العام وحياته المعيشية الضنكى، فإن اليمني في الخارج يعيش أيضا بؤس الغربة والهجرة مهما كانت حالته المعيشية متحسنة، وهمَّ الوطن العام معا.
وتزداد المعيشة ضنكا وبؤسا وشقاء في الخارج خاصة للطلاب اليمنيين المبتعثين أو الذين يدرسون على نفقاتهم الخاصة، حيث بدت الدولة وكأنما تخلت عنهم، وتركتهم هملا لسخرية زملائهم ومعارفهم في الدول التي يدرسون فيها، وأسيري الحاجة في بلاد لا صديق لك فيها غير جيبك. ما ليس مفهوما حتى الآن هو طبيعة الإهمال غير المقبول من قبل حكومة الشرعية للطلاب اليمنيين بالخارج، ولماذا يتجاهلون حقوقهم، ولا يأبهون لها إلا بعد أن تبلغ المرارة مداها، وبعد مظاهرات واعتصامات ومناشدات.
هذا ـ لعمري ـ دليل على قلة الوعي وضحالة الإدراك للأهمية الاستراتيجية لهؤلاء "الرسل" رسل أهلهم ووطنهم إلى العالم، وما ذا يعني تأهيلهم للوطن. غير مدركين أن من غيَّر وجه اليمن خلال منتصف القرن الماضي فما بعده كانت البعثات الطلابية التي عادت من الخارج بصورة رئيسية، وعلى وجه أخص بعثة الأربعين التي أفردت لها إحدى المؤلفات الأجانب كتابا خاصا بذلك. وكان من بين هؤلاء الأربعين طالبا الذين تم ابتعاثهم عام 1947م ثلاثة رؤساء وزراء، هم محسن العيني، والدكتور حسن مكي، والكرشمي. إلى جانب وزراء ومسؤولين آخر أسهموا في بناء اليمن الحديث وفي بناء حكومات ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وبشكل عام فإن المغترب اليمني يمثل دعامة اقتصادية وطنية؛ بل لقد أصبح الاغتراب أحد مصادر الدخل القومي لبعض البلدان، من خلال حجم التحويلات السنوية، واكتساب الخبرات، والانفتاح على البلدان الأخرى، وتكوين رأس مال كبير، يمكن أن يعود بالنفع العام على الوطن لو تم استغلاله وتوجيهه، خاصة وأن كبار التجار اليمنيين هم بالخارج، وتكون رأسمالهم في الخارج، فقط نفتقد للدولة الحاضنة لهذه الركيزة المهمة في التنمية التي برز دورها أكثر في الفترة الأخيرة، من خلال حجم التحويلات المالية إلى داخل الوطن والتي ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على الحد الأدنى في الثبات المعيشي لمواطني الداخل.
هذه المادة خاصة بموقع "الشارع اليمني "