يحيى دائمًا !

هذا الدم دمي ، و ذاك الوجه المسجى على أرض المدينة الملعونة وجهي ، أنا ميت ، وغاضب .. تائه في الصحراء ، أشعر بمرارة الوجع ، بالفقد والآه مكبوتة في أعماقي ، الحزن يدمرني من داخلي ، كلما تذكرت نبأ استشهاد الأستاذ والقاضي العلامة : يحيى محمد موسى – على يد غادرة جبانة ، مجرمة .. اغتيال صامت ، قذر ، مأساة ستتراكم على الأسر الهاشمية البعيدة أو القريبة من الحركة الحوثية الملعونة ، وقد توغلت الدماء حدًا مجنونًا ، ومنفلتًا ، صار من اليقين أن تؤدي الحركة وظيفتها البشعة باستهداف قيادات معتدلة لإيقاظ الخطر المحدق على الهاشميين ، وقد بدأت بإغتيالات مؤذية في بداية تواجدها بذمار، وكان من الضروري لبقائها التهام إسم كبير ولامع ، شخصية عظيمة وودودة بحجم الحبيب : يحيى موسى .

- لن استغرق في هذه الفوضى السياسية القبيحة ، فلم يكن من سبب لتمتد يدٌ مجهولة لإنتزاع حياة الشهيد "موسى" كي نغرق في الألم ، والدم ، في العار الذي ينالنا كيمنيين ، في حرب مجنونة ما كان لها أن تقوم لو لم يجاهر الحوثيون بمعاداة المجتمع والدولة في بداية حرب قذرة مهووسة ، جنون منفلت منحه البغاة توظيفًا رسميًا وغطاءً سياسيًا مهينًا ، تداعت له أركان الدولة وسقطت في وحل الساحات ، وتهافت إحتكار النذالة في أبشع مستوى.

- هذا الذي نراه اليوم ، قدر الإمتداد الطبيعي لحياة انتهازية ألّفها الساحاتيون في 11 فبراير ، ولم يكونوا على رؤية حقيقية مما سيحدث ، وفي ستة أعوام فقط ، اختلط المجرمون ، وتاهت الحقيقة ، وتيقظت الفتنة القاسية ، وصار السلام أبعد ما يمكن ! .. اليوم يُغرقنا "موسى" في دمه ، يُكلم الله عن فحشاء العداوات ، وضغائن الحاقدين ، وتشفي الظالمين من إغتياله .. فأبكي بصمت عزيز .

- سيذهب المفسبكون والمغردون إلى النار ، يتحملون فوق ظهورهم وحشة الدناءة ، دمامة القبح المنتشي خلف لوحة مفاتيح تنشب الأظافر في جسد الضحية الساكنة بلا حراك على قارعة الطريق .. آه يا وجعي ، وجع السنين وغيمة الذل ، وغربة الروح عن أصدقاء المجد ورفاق المسير اليومي ، وقد كان إبن موسى أعز الرفاق وأنبلهم .

- في 2005م ، أصيب شهيدنا النقي بطلقات نارية مجهولة في رجليه ، وكنت أول العارفين بذلك ، وصلت إلى المشفى الذي ذهب إليه محمولاً ، أفتش ملتاعًا بين وجوه المتألمين ، كان ينزف بشدة ، وبحاجة إلى دم طازج ، ولأني من فصيلته ، بذلت له دمي عن طيب خاطر ، وكان ممتنًا لموقفي ، بليغًا في محبته ، كبيرًا في سلامه ، عظيمًا في قيمته ، عزيزًا في ترفعه ، جوادًا في أصالته ، ومن لا يعرفه مثلي ، وقد كان أبي .

- هذا الدم المراق ، دمي ، لقد قتلني الأوغاد قبل أن أموت ، أطلقوا الرصاص على رأسي قبل أن يطلقوه على الشهيد "يحيى" ، أنا هناك في ذمار ، بداخل قبو معدني بارد ، أنتظر القبر ، ميتٌ لا يدفئني شيء سوى إبتسامتي التي تأتي من الرياض ، حنو أيامي التي عشتها مع الفقيد العظيم ، تكفكف دمعي الغزير إذ أدفن وجهي بين يدي ، فيغرقني الدم ، و تشعلني الآثام ، ويصحو ضميري الأبكم متسائلاً : لمَ كل هذا ؟ ، أعيدوه إليّ ، وخذوا روحي .. يا إلهي ، أنا تائه كشُبّابة في شفاه الريح تنتحبُ .

- في سجني كان الرجل الأول الذي يجبر خواطري ، ويدفع عني بأس الشياطين – ما استطاع - ، حتى غضبوا عليه ، وهددوه ، صاح اللئيم "عبدالمحسن الطاووس" في وجهه ناهرًا ، ولا أشك لحظة أنه قاتله ! ..

- يحيى دائمًا معي ، لم يكُ يفارقني يومًا ، ناشد كل معارفه أن يعودوا عن غيهم ، ويتركوني لحال سبيلي ، لكن أنذال "صعدة" كانوا هم القبح ، النار التي تشتعل في داخلهم ، وتثأر من الحروب الست ، لتمتد لعنة على كل اليمنيين ، حتى أشتوى بنارها القريب والبعيد ، ولن يسلم من أذاها أحد ، كل ابتسامة رحبت بمقدمهم ستنال جزاءها ، إنه قدر الطوفان الذي يسحق التقديرات الخاطئة .

- يحيى يغتسل في القمر ، يضحك من قلبه لطرفات صديقه "الفضلي" ، يُعلمني الرُشد ، والحكمة ، يأخذني إلى منتجعه الصغير في "حمام علي" ، يغسلني بأناقته ، ولطفه، وسماحته الكريمة ، يعاملني كأب ، ويقربني إليه في أكثر مناسباته خصوصية ،وأُلفه .. من لا يعرفه يجعله عدوًا إفتراضيًا ، وقد كانت تلك هي الغيرة القاتلة التي أرادت له أن يموت ليسكن جسده ، وإسمه ، وثقافته العميقة .

- مات العطر ، والكرم ، استشهد آخر النبلاء ، وأنا هناك على بعد آلاف الأميال مُعتل بأوجاعي ، حزني يقضي عليّ ، يفارقني الأحبة واحدًا بعد آخر ، يغادرون عجلى ، لا يرون يدي التي تهتز لمقتلهم ، حتى صرت عجوزًا في شبابي ..تبًا لكل شيء ، تبًا لي ، ولكل العقلاء الذين لا يغادرون جحورهم ليوقفوا اللعنة من حيث أتت .

..

وجع كبير ، ألم لا يموت ..

الفاتحة إلى روحي