حتى لا يستذلنا أحد..!

للمواقف السياسية خصوصية براجماتية تعتمد على مدى توافر أوراق القوة (الصلبة والناعمة) والتي من خلال استخدامها يتحدد المستوى الممكن الوصول إليه في تحقيق مصلحة متوخاه، أو تقديم مصلحة على أخرى، ولذلك يقال في تعريف السياسة أنها (فن الممكن).


في منطق السياسة والمصلحة نقدر موقف الحكومة اليمنية وبعض مكوناتها السياسية كحزب الاصلاح من أزمة الخليج الحالية المصطف في الجانب الذي يميل إليه موقف السعودية، بل لو أنها وقفت موقفا مغايرا لعد ذلك سفها سياسيا وتفريطا في مصلحة اليمن ومعركتها الكبرى، لكن موقف الحكومة لا يعني بالضرورة أن يمثل قناعة شعبية مجمع عليها، مثلما حدث تماما حين اتخذت حكومة المخلوع صالح موقفها من أزمة الخليج واحتلال الكويت في الثمانينات الذي انحاز للطرف غير الشقيق والجار وما ترتب على ذلك من خسائر جمة دفعها اليمن. 

 


بالعودة إلى أحداث اليوم والأزمة الإماراتية القطرية وهنا فإنني مع تحديد أطراف الصراع الحقيقية وهي قطر والإمارات فقط، أما السعودية فليست طرفا بل هي شوكة ميزان، وتجد نفسها مضطرة لممارسة دور الأب حين يختلف أبنائه والذي قد تظهر المصلحة أحيانا في إظهار انحيازه للطرف الشرير في بادئ الأمر دفعا لمفسدة كبرى أو تحقيقا لمصلحة كبرى، لكنه في نهاية الأمر يقف موقفا عادلا ومسؤلا.


الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن قناعة كثير من اليمنيين وأنا منهم بالمقارنة بين قطر والإمارات أن دولة قطر هي نقطة مضيئة في المنطقة منحازة غالبا لخيارات العدالة والكرامة والقيم والشيم العربية والاسلامية، وأن تهمة دعمها للارهاب مجرد تهمة باطلة وأن خيرها أكثر من شرها في تحقيق مصالح الشعوب والأوطان بخلاف الطرف الإماراتي الذي أخذ منذ زمن يمارس دور الشرطي في المنطقة منفذا لأجندات اللوبيات العالمية من خلال الكيد والمكر والعداء لكل مكرمة، ولكل مشروع تنويري نهضوي في المنطقة بكل ما أوتي من قوة.
قطر يا سادة تدفع ثمنا باهضا لمواقفها المعتدلة والعادلة في عدد من الملفات الخليجية والاقليمية؛ كتكفلها بدفع رواتب الموظفين في قطاع غزة المحاصرة وهو الأمر الذي يثير حفيظة الكيان الصهيوني وأذياله التي تحركت في المنطقة، تلك الأذيال المتماهية مع سياساته الفاجرة..! قطر تدفع ثمن دعمها للحكومات الشرعية التي وصلت للحكم عبر العملية الديمقراطية كحكومة حماس في غزة، وحكومة الرئيس المسجون محمد مرسي، وتدفع ثمنا مقابلا لرفضها دعم الحكومات الانقلابية كحكومة السيسي غير الشرعية، وحكومة حفتر الانقلابية، وتدفع ثمنا لدورها الاعلامي المؤثر في تعزيز قيم الحرية والكرامة ورفض الظلم والاستبداد وتجسيد النهج الديمقراطي وتقدير حقوق الإنسان، وهي القيم التي ناضل من أجلها الغرب لعدة قرون وما زال يؤمن بها ويحكم بها لكنه لا يريدها ناظما لحياة الشعوب العربية والاسلامية. 

 


قطر تدفع ثمن عدم موافقتها في فرض ضرائب على مواطنيها وثمن توفير خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم مجانا لكل مواطن قطري، وهو الأمر الذي تعده بعض الأنظمة المجاورة نمطا متفردا لا ينسجم مع النمط الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي بل يسبب إحراجا لها أمام شعوبها، ويمثل داع من دواعي تفكير شعوبهم في التمرد عليها.

 


قطر لا تبني علاقات مع جماعات أو تشكيلات غير قانونية بل مع حكومات شرعية، وعلاقاتاتها مع إيران ليست مثل نصف علاقات الإمارات بإيران على المستوى التجاري والسياسي.


لذلك كله يجب على كل صاحب قناعة أن يرفع صوته بوضوح ممثلا عن نفسه وبدافع من مروءة ونبل وصدق وفي إطار ظاهرة التنوع المحمود بأن الحملة الفاجرة ضد قطر من قبل الإمارات وأدواتها من مرتزقة الصحفيين ومتسولي المثقفين هي حملة ظالمة ضمن أجندات عالمية مشبوهة، وذات أسباب لا علاقة لها بما هو معلن من دعاوى وأكاذيب.


وسيعلم مأجوري الأقلام الذين صاروا ملكيين أكثر من الملك الذين يتقيئون كل شتيمة وقبيحة لرمي قطر، سيعلمون أنهم كانوا في وهم حين تنتهي الأزمة برأب الصدع والوفاق والاتحاد، وحين تتوجه المعركة الكبرى تجاه إيران ومشاريعها في المنطقة بعد تمايز صفوف أعداء الأمة العربية من الدول القريبة والبعيدة ومن أشباه الرجال وعبيد الدرهم والدينار على حساب القيم والمبادئ. فدولة قطر المظلومة إعلاميا اليوم هي المنتصرة في معركة السياسة والقيم غدا في مركب واحد مع الشقيقة السعودية ومن معهما، ولا عزاء للغرقى المغفلين.