ثعالب الحكم.. وتيار الثورة

​لم تنجح حركة 48 في إصلاح نظام الحكم الملكي من الداخل، لكن نجحت ثورة 62 المسلحة في تغيير نظام الحكم وتأسيس النظام الجمهوري، هكذا هو قدر اليمن وطبيعة تركيبته الاجتماعية والسياسية ولذلك فإن فشل حركة أية احتجاجات سلمية في تحقيق كامل أهدافها ستحققها ثورة الشعب المسلحة، لأن الأحداث والنتائج تتشابه في البيئة نفسها.

في عام 1948م نجحت حركة التغيير في إزاحة شخص يحيى حميد الدين عن سدة الحكم واستبداله بشخصية من داخل الأسرة الهاشمية الحاكمة توسمت فيها حمل مشروع التغيير، لكنها –الحركة- لم تستطع القضاء على نظام الحكم وإسقاطه، ولقد مارس أحمد حميد الدين نفس ممارسة علي عبدالله صالح حيث تظاهر كلا الثعلبين بتسليمهما السلطة، حيث أوعز أحمد حميد الدين لبعض الثوار نيته السفر وقضاء بقية عمره خارج البلاد وبالفعل خرج من ميناء الحديدة بتسهيل من قادة حركة 48 بهدف التقليل من سفك الدماء، لكنه التفّ من عرض البحر إلى ميناء ميدي ودخل محافظة حجة وبدأ بتجميع القبائل وتحشيدهم وصولاً لإباحة نهب وسلب صنعاء أمام همجية بعض المخدوعين من أبناء قبائل الطوق وغيرها من قبائل شمال اليمن، واستطاع أن يعود للحكم، لكنه قضى سني حكمه تلك في جو تسوده الريبة والشك والخوف من كل مجهول وتوقع الخطر من داخل القصر ومن خارجه، كما نكل بخصومه وانتقم من كل من شارك في حركة التغيير مستخدماً أبناء القبائل الموالين له أداة في تنفيذ مهمة الانتقام، ولقد ظلت الآلة الإعلامية للإمامة تصف الثوار بالمرتزقة وتتوعد وتهدد من هم خارج الوطن ومن هم في جنوبه بالويل والثبور وعظائم الأمور، وظل الخطاب الإعلامي عبر وسائله المتاحة في ذلك الوقت يهدد بأنه لا يمكن العودة إلى صنعاء وحكمها من جديد من قبل من أسماهم بالخونة والعملاء والمنتفعين إلى غير ذلك من الأوصاف التي نسمعها اليوم من إعلام صالح والحوثيين.

 

لقد استوعب قادة حركة 48 بأنه ليس هنالك من وسيلة للتغيير وجلب الحرية والانعتاق من عهد الظلم والكهنوت والاستبداد وتزوير التاريخ ومسخ الهوية الإسلامية السليمة إلا من خلال العمل العسكري الذي فرضته ردة فعل احمد حميدالدين واصدار احكام الاعدام بحق من لم يستطع القبض عليهم، وتهيأت الظروف والأحوال واستنجد الثوار بالنظام المصري حينها لتبدأ ثورة شعبية مسلحة مسنودة بغطاء عسكري عربي اقتلعت تلك الثورة نظام الحكم الكهنوتي من جذوره وأعادت لليمنيين الابتسامة ومنحتهم الحرية وكفلت لهم التعليم وساد الخير والرخاء مقارنة بحقبة حكم الأئمة وقهرهم للشعب، تحقق ذلك أو جزء منه بينما تعثرت بعض الأهداف لأسباب عدة.

 


لقد لفظ الشعب قادة الكهنوت الإمامي وعناصره إلى مزابل التاريخ وبقيت شواهد قبور الثوار منارة وعلماً تحكي قصة أعظم ثورة خاضها اليمنيون منذ ألف عام من الدجل والظلم حتى تاريخهم ذلك.

 

 

ومن خلال ربط الأحداث ببعضها نجد أن الأحداث تتكر بحذافيرها، وأترك للقارئ اللبيب إسقاط كل ما سبق إيراده على أحداث اليوم وشخصياته وجهاته، سواء في مراحل بدء حركات التغيير السلمية، ثم مراوغة الثعالب، ومحاولة عودتهم للحكم من خلال اباحة صنعاء للقبائل، أو من خلال مضمون الخطاب الإعلامي للطرف الباغي، ومن حيث الاستنجاد بالأشقاء لإسناد الشعب المقهور، وغير ذلك من الأحداث، لكن النتيجة النهائية هي أن الشعب هو من سينتصر وأن العدالة هي التي ستسود رغم ما يراه البعض من صعاب ومعوقات، نتيجة للضخ الإعلامي من قبل طرف الإنقلاب، ومن خلال تأخر الحسم العسكري، فالشعب اليمني قدره النصر وإن تأخر عن موعده.