هل لا يزال التحالف العربي يحفظ اسم الرئيس؟

لا تزال المعركة في اليمن قائمة، لكن الحرب توقفت. ثمة مناوشات عسكرية على خطوط التماس مع الحوثيين في أماكن محددة، وهي مواجهات تعتمد على الفعل ورد الفعل، ولا تتطور إلى حرب. 
في تعز فقط هنالك حربٌ حقيقية، حيث تعمل المقاومة منذ حوالي ٣٠ شهراً على إزاحة الحوثيين من المدينة، ثم من المحافظة.

في تلك الحرب سقط ما يقرب من مائة ألف مقذوف على مدينة تقاتل بدبابة واحدة، أطلق عليها "المبروكة". وقبل عامين من الآن توقفت أكثر من مائة وخمسين مدرعة من آلات التحالف على الحدود الجنوبية لتعز. كان يمكن وضع حد للحرب والحصار في تعز على نحو مبكر، لكن التحالف أراد نتيجة أخرى. وبحسب ما سمعته شخصياً من محافظ تعِز فإن رشوة بلغت حوالي خمسة مليون ريال يمني منحت لضابط كبير في المنطقة العسكرية الرابعة حتى يسمح بخروج عشر دبابات إلى تعز، بحسب توجيهات عليا. أقنعت الرشوةُ الرجلَ بإخراج دبابة واحدة.

تعرضت تعز لحرب ضارية شنها كل خصوم الجمهورية الديموقراطية: الحوثيون بمشروعهم الملكي، صالح بمشروعه الأوليغارشي، هادي بمشروعه العائلي/ النيبوتي، الشعبويون الجنوبيون بمشروعهم الانفصالي، والتحالف العربي بمشروعه الطائفي. أما لماذا تعرضت تعز لكل هذه الحرب متعددة المشاريع فذلك لأنها العمود الفقري للسياسة، وللثورة. ولأنها، بسبب إنتماء جزء كبير من الإنتلجنسيا اليمنية إليها، تدعم خياراً جمهورياً ذا طبيعة ديموقراطية، وتؤكد عليه. وهي أسباب تجعل منها Spielverderber.. أو مخرب اللعبة، بالتعبير الألماني.

توقفت الحرب، قلتُ، وبقيت المعركة قائمة. فقد سيطرت السعودية على الأجواء، واستطاعت إقناع أميركا بالعمل معاً في مراقبة البحار اليمنية. الخطوط الساخنة التي أقامها الحوثيون مع إيران قطعت بالفعل، وكذلك الآلة العسكرية الصلبة التي حصل عليها حلفاء إيران في اليمن. بالاستناد إلى صدر ترامب وجدت السعودية قدراً مطمئناً من الراحة. فالرجل انقلب على رؤية سلفه أوباما الذي قال لمجلة "ذا أتلانتيك" إن السعوديين يريدون أن يركبوا بالمجان، ويطلبون من أميركا أن تخوض حروبهم. لقد زال الخطر الحاد الذي دعا السعودية لتشكيل حلفين عسكريين كبيرين في وقت قياسي "التحالف العربي لدعم الشرعية، والتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب". لم تعد السعودية، حالياً، تحت الخطر، تعتقد، وهو ما جعلها تتفرغ لمعارك مع دول أخر، وفي أراضِ أخرى.

في جنوب اليمن انعزلت الإمارات عن الحرب الجارية في الشمال، وخاضت حرباً باردة ضد الحكومة والرئاسة وكل القوى المساندة لرئيس الجمهورية. فتحت دولة الإمارات سجوناً كثيرة، رصدتها منظمة سام على نحو بالغ الدقة، ومعسكرات لا تخضع لوزارة الدفاع.

تبعد جزيرة سقطرى عن عدن قرابة ٣٥٠ كيلو متراً، وهي أبعد ما تكون عن الحرب الجارية في اليمن. نشرت الإمارات على الجزيرة قوة عسكرية من حوالي خمسة آلاف عنصر. ودون علم الحكومة/الرئاسة دربت الإمارات قوات يمنية على أراضيها وأعادتهم إلى الجزيرة. كما فتحت خطوطاً جوية بينها وبين مطارات مستحدثة في سقطرى. تلك مسألة ليس بمقدور أحد فهمها داخل مشروع "إعادة الشرعية إلى اليمن". على وجه الخصوص في ضوء معرفتنا بالبيان الذي أصدره البنك المركزي اليمني من عدن، واتهم فيه التحالف العربي، يقصد الإمارات، بمنع وصول التعزيزات المالية إلى البنك من خلال منع هبوط الطائرات التي تحمل السيولة المالية. تحدث البيان عن منع ١٣ رحلة طيران خاصة بالبنك. النتيجة، كما يقول بيان البنك المركزي، حرمان موظفي الدولة من رواتبهم، وإفشال الحكومة أمام شعبها. ثمة محاولة للقول إن مثل هذا السلوك الاستعماري، والمزيد من زعزعة الاستقرار، يخدم مشروع إعادة الشرعية إلى اليمن.

خسر التحالف العربي هيئته الأخلاقية، وصار على نحو متزايد سيء السمعة. فبينما خسرت الإمارات سمعتها في الشمال، لا تزال السعودية تحظى ببعض التقدير لدورها في المعركة، وفي مجال الإغاثة. الرأي العام في الشمال يتجه إلى وضع الإمارات كقوة احتلال، وذلك ليس بلا دليل. المسؤولون اليمنيون المستاءون من السلوك الإماراتي يقدمون شكوى حذرة إلى حلفائهم السعوديين، والأخيرون يردون بالقول إنهم يراقبون ما يجري.

استخدمت الإمارت التكتيك الذي استخدمه الحوثيون/ الإيرانيون في صنعاء: صب النار على حزب الإصلاح، وتصوير المعركة بوصفها مواجهة أخلاقية وقانونية مع حزب سيوصف بالإرهابي، حتى يتسنى لها المرور تحت جنح تلك الذريعة. السبب الوحيد الذي نال بسببه الإصلاح صفة "الإرهاب" هو إيمانه بفاعلية السياسة، بصرف النظر عن أي نقد فني أو جوهري يمكن قوله. لكن الإمارات، مثل الحوثيين، سرعان ما نالت عداوة الجميع.

في مؤتمر لمحافظ عدن، قبل أيام، قال الرجل إن جهات ما تدفع عدن باتجاه حرب أهلية. إشارة المسؤول الأول في عدن إلى الإمارات لم يكن من الصعب التقاطها. ردت الإمارات على كلمات محافظ عدن من خلال عزومة غداء أقامتها على شرف وصول رئيس الوزراء إلى ميناء المخا. التقط الإماراتيون صوراً لرئيس الحكومة في مجلس تغطي صور شيوخ الإمارات جدرانه، وما من صورة للرئيس اليمني.

قبل أيام أعلنت الإمارات من أبو ظبي قيامها بعملية عسكرية واسعة في محافظة شبوة لمكافحة تنظيم القاعدة. صدر الإعلان من أبو ظبي، وجرت العملية عبر عزل شامل للحكومة اليمنية والرئاسة اليمنية. لكن أسوأ ما في العملية، على الإطلاق، هو أن مواجهة ما مع تنظيم القاعدة لم تحدث قط. سُمع وابل من الرصاص استمر لبعض الوقت في منطقة "مفرق الحوطة ـ عزان"، يعتقد أنها لم تكن أكثر من تمويه. سقطت محافظة جديدة في يد قوة عسكرية إماراتية صغيرة تتحكم بقوة شعبية تتبعها مالياً وعسكرياً وإدارياً، ولا تتبع وزارة الدفاع ولا رئاسة الجمهورية.

التنظيمات المسلحة التي لا يسندها قانون محلي ولا دستور، وتتحرك بمعزل عن الهيراركية الأمنية والعسكرية الرسمية، هي تنظيمات خارجة عن القانون. تعلم الإمارات ذلك جيداً، فهي دولة تعاقب بالسجن لخمسة عشر عاماً على تدوينة في موقع تويتر. جنوباً، أيضاً، أوهمت الإمارات القوى الشعبوية بأنها تتفهم رغبتهم في الانفصال، وأن النتيجة النهائية لفعلها هناك ستكون في صالح استعادة دولة الجنوب، الدولة اليمنية الشطرية. بهذا العرض الخادع حصلت الإمارات على ما تريد من مقاتلين، ومتطوعين إعلاميين، ومدونين غير محترفين على شكل رذاذ إليكتروني واسع الانتشار.

في نهاية المطاف ستتدبر الإمارات والسعودية معاً مسألة "الحلم الجنوبي"، وفي الغالب سيجري حله بطريقة لا تؤذي السعودية. وراهناً تبدو الحلول الراديكالية، كالانفصال، شديدة الإضرار بالسعودية، وذلك أمر تتفهمه الإمارات. لكن حلاً آخر أقل حدة من الانفصال سيكون مرضياً للدولتين، وستستطيع الإمارات بيعه جنوباً في الوقت المناسب، على أن تكون هي ضابط أمن الإقليم، وعلى أن يبقى الإقليم الجنوبي يمنياً اسماً، لا تنجح السياسة، أي شكل للسياسة، في جعله جزءًا من السيادة.

كان الخيار أن يفر اليمنيون من احتلال إيراني مؤكد إلى وصاية خليجية محتملة. غير أن الحرب، بصورتها الهجينة الضارية، جردت اليمن من الأشياء الأكثر مركزية: السيادة والتاريخ والاستقلال. وقد يمضي وقتٌ طويل حتى تتنبه الأجيال الجديدة للورطة التاريخية التي انزلقت إليها اليمن بعد سلسلة من المغامرات التي قادها الجنرال علي صالح خلال ثلث قرن، وانتهت باليمن مفككاً من كل جهاته.