دلالات التصعيد الإماراتي ضد الإصلاح في عدن

استيقظت عدن يومنا هذا الأربعاء الـ 11 من أكتوبر/ تشرين الأول على وقع مداهمات واعتقالات طالت أبرز القيادات في التجمع اليمني للإصلاح، وفي طليعتهم أمين عام مساعد الإصلاح بعدن محمد عبد الله عبد الملك، والقيادي الدكتور عارف أحمد علي، بالإضافة إلى العديد من الناشطين في هذا الحزب ومنهم عمار عفارة، ومحمد شرف، محمد الحكيمي، ويوسف عفارة وآخرون.

هذه في تقديري أحدث حلقة في مسلسل الاستهداف الذي يطال المكونات السياسية الموالية للشرعية، بواسطة وحدات أمنية تعمل لحساب أجندة أبو ظبي السيئة في اليمن التي تقود البلاد إلى مرحلة مظلمة من الانقسام والتشظي ودوامات مستمرة من العنف.

ليس هذا جديداً لكنه قد يكون بداية هي الأخطر من استهداف الشرعية، فقد شهدنا أوائل هذا العام مواجهاتٍ مسلحةً مع وحدات الحماية الرئاسية، ومحاولات حثيثة لتقليص النفوذ العسكري والأمني للسلطة الشرعية، وعندما لم يتم هذا على نحو ما تخطط له أبو ظبي لجأت إلى منع الرئيس من العودة إلى عدن واستدعاء محافظ عدن الجديد بع أسابيع منذ بدء ممارسته لعمله في المحافظة.

هناك قائمة من الأسماء في الحكومة والسلطة الشرعية الممنوعة من العودة إلى عدن بمن فيهم قائد المقاومة ومحافظ عدن الأسبق، ووزير الشباب والرياضة الحالي نائف البكري.

الإمارات تمارس نهجاً صارخاً لتكريس النفوذ الذي يرقى إلى مستوى الاحتلال، ولكنه الاحتلال الذي يخلو من أي مسؤولية أخلاقية، بل أن أبو ظبي تمارس سياسة إقصاء واضحة لنفوذ السلطة الشرعية عبر هذا الاستهداف الممنهج لأنصار الشرعية، وتكريس الانقسام والانفصال، وتغذية النزعات الجهوية وتسليح العصبويات المناطقية، وتحشيدها على هذه الخلفية المتوترة عملاً بالقاعدة التي اعتمدها الاستعمار البريطاني القرن الماضي ويبدو أنه ورثها للإمارات صنيعته السيئة في منطقتنا.

الرواية التي يسوقها الإعلام المحسوب على أبو ظبي بدأ يسرب أخباراً مفادها إن قوات الأمن في عدن أحبطت عملية إرهابية كانت معدة لاستهداف احتفالات ثورة 14 أكتوبر في حي المعلا وسط العاصمة اليمنية المؤقتة.

رواية سمجة ومفضوحة وتذكرنا بغرفة العمليات العسكرية في منصبة رابعة بالقاهرة التي سوقها الجيش المصري عام 2013 في خضم خطة مدعومة من غرفة عمليات الثورات المضادة في أبو ظبي لإنهاء أول نظام ديمقراطي حقيقي في مصر.

أخطأت أبو ظبي في تقديرها حينما ألقت بتهم التخريب لأرفع مستوى قيادي في حزب مدني يعمل تحت مظلة الشرعية، ويساند الرئيس والحكومة في مهمة استعادة الدولة، وهو فوق هذا وذاك يعاني وضعاً استثنائياً جعلته الطرف الوحيد الأعزل في مدينة عدن المتخمة بالأسلحة من كل شكل ولون.
من يصدق أن الأعمال التخريبية التي أوقفها عملاء أبو ظبي في عدن كان أرفع مسؤول سياسي في حزب مثل الإصلاح سينفذها إلى جانب بضعة أشخاص آخرين من قيادات هذا الحزب.

لا تحتاج أبو ظبي إلى ممارسات إضافية لتكريس صورتها المشوهة في أذهان أبناء الجنوب، والانحدار الكبير لمستوى الثقة بمصداقية الإمارات ومشاريعها في المحافظات الجنوبية، فقد برهنت خلال الفترة الماضية عبر سلسلة من السجون السرية والمعتقلات التي أوسعتها بآهات وعذابات المعتقلين الأبرياء على ذمم كاذبة بالإرهاب، ومن خلال استمرارها في إعاقة كل محاولات لسلطة الشرعية لتطبيع الأوضاع وإعادة العمل في المرافق الخدمية إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب على الأقل.

يندفع المتحمسون لأجندة الانفصال بقوة وراء المغامرة الإماراتية الخطيرة، ودوافع الغالبية العظمى منهم ليس إنجاز الانفصال فحسب، بل حزمة المصالح الأنانية التي تَعِدْ بها الإمارات مرتزقة هذه المرحلة، من قيادات وعناصر، ممن يسعدون لأنهم فقط يمتلكون الأسلحة بينما الكثير من جيرانهم في مدينة عدن المسالمة لا يمتلكونها.

عقدة النفوذ المناطقي يتم استغلالها إماراتيا، بشكل كبير جداً، وكأن أبناء المحافظات الجنوبية لم يستوعبوا دروس التاريخ الأسود من الحروب الأهلية التي أورثتهم الانقسام والضعف والصفقات الخاسرة، ووضعتهم يوماً ما طرفاً في إنجاز استحقاق وطني تاريخي لم يحصلوا على أية ضمانات لإنجاحه وعدم تحوله إلى مجرد إنجاز شخصي لشخص موتور وطامح بالسلطة مثل علي عبد الله صالح. 

*خاص بـ"مسند للأنباء"