القفز شمــالًا !

-  في مواجهة جنوبية الدولة الحادة يتفرد الحوثي بشمالية القرار في صنعاء بعد إزاحة صالح وأعوانه من المشهد . ذلك ما يتردد الآن في استقراء مبسط لواقع الصراع اليمني ، لم تعد المكونات السياسية أو الاجتماعية قادرة على تسويق فكرة الشرعية أو التمرد بمعزل عن هويتين أكبر من أي تحرك مضاد أو موالي . وهي الشمال و الجنوب ، يؤكد الحوثي بعنف أنه المسيطر على الأرض الشمالية بينما يسعى الزبيدي لإثبات أنه المسيطر جنوبًا في صراع أزلي بين معسكرين قديمين لهما ثأرية من نتائج حرب صيف 94م . حيث يتأهل الفائز في عدن إلى دور المفاوضات القادمة مع الفائز شمالًا .

-      حاولت الإمارات ومعها التحالف العربي إعادة توازن المحيط الشمالي بعد مقتل علي عبدالله صالح "المفاجئ" بإدراج عائلته في المشهد لما لها من رمزية نضالية وقبول شعبي ومنع الحوثيين من التفرد أو الحديث بـإسم 12 محافظة شمالية إضافة إلى مجلس النواب وحزب المؤتمر الشعبي العام في مقابل 9 محافظات في يد الشرعية الحكومية ، ما جعل التجمع اليمني للإصلاح – الحزب الأكثر تأييدًا لهادي – يعلن النفير العام لمغرديه رافضًا أي إعادة لما أسماها "التدوير" لنظام صالح وعائلته ! . وتلك هي الغرابة التي يبتهج لها الحوثي بتأييد الإصلاح رغم كراهيتهما المذهبية .

-      تباطؤ الصلح المؤمل بين عائلة الشهيد صالح والرئيس هادي دفع المجلس الإنتقالي إلى مشهد الصراع بإبتزاز الرئيس وتهديد شرعيته من بوابة الحكومة التي صارت وجهًا جنوبيًا واحدًا لا يمثل الشمال أو مخرجات الحوار الوطني في شيء رغم الرمزية الوزارية ، فمحافظات مثل ريمة والمحويت وحجة وعمران ومارب والجوف مثلاً لا تجد أي تمثيل لها في الحكومة وسفاراتها ومؤسساتها وهو ما يعض عليه الشماليون المؤيدون للشرعية الحكومية بألم مكتوم وقد صاروا فاقدي الحيلة إبتداءً من علي محسن إلى أصغر مغرد جائع في شوارع الرياض .

-      قرارات التعديل الحكومي الأخير جاءت بتعيينات جنوبية حادة للتعامل مع قضية جنوبية محضة ، صار وزير الداخلية مطالبًا بتفكيك سيطرة شلال شائع على قوات الأمن في عدن فقط ، وشيئًا فشيئًا ستصبح الحكومة معبرة عن لون واحد ومنطقة واحدة لحل قضية ذات بعد مناطقي لا تمثل الوطن بهويته الكبيرة ! بينما ينقسم المعسكر الشمالي بين مؤيد لشرعية هادي خوفًا من عودة عائلة صالح بأي صورة أو غطاء ، وإغلاق محافظة مأرب المحافظة الشمالية الوحيدة في وجه من لا يقدم الولاء إلى ساداتها من آل الشريف الذين يوهمون الإصلاح أنهم يتبعونهم ويوالونهم . وآخرون يتشيعون لعائلة صالح ويرفضون الحوثي شكلاً وموضوعا لكنهم خارج معادلة السيطرة على الأرض ، وعقائديون هاشميون يمثلهم الحوثي وهم الأقوى نفوذًا لما يمتلكونه من تعداد سلالي هائل ووسائل مختلفة بالترهيب والتعذيب .

-      ينبغي على المستشارين الذين يُغرقون الرئيس هادي في الصراع الجنوبي أن يقولوا له أنه رئيس الشمال ايضًا ، وأن في الشمال 20 مليون يمني يمثلون امتدادًا لتيارات وأفراد وقبائل ليست مرتبطة بالصراع الجنوبي و منهم من لا يعرف وسائل التواصل الاجتماعي ليعبر عن رأيه حتى يُسمع له .

-      من يقرأ تصريحات "سيرجي لافروف" بعيدًا عن شعبوية الجماهير يعي أن "صالح" كان يسعى لإعادة صلاته مع الحكومة ، وقد فهمت إيران تلك النقطة جيدًا وحققت مرادها بمقتله وانهاء أي قوة أخرى في الشمال يمكنها أن تحد من سيطرة الحوثيين في المفاوضات القادمة التي يرعاها البريطاني "مارتن غريفيث" المبعوث الأكثر حظًا في الأمم المتحدة .

-      يجب أن يقفز "هادي" إلى صنعاء فورًا ليحل مشكلة عدن بإتفاق وتحالفات واسعة مع كل التيارات المحرمة وغير المحرمة للقضاء على سلطة الحوثي ، ومن يسعى إلى إغراقه بتطويع قراراته الجمهورية لحل مشكلة عيدروس الزبيدي فقط فإنه يخدم الحوثيين الذين يتحركون بسرعة لإعادة ترتيب البيت الشمالي لصالحهم في مفاوضات اللحظة الأخيرة مع الفائز جنوبًا . عندها لن تصمد اليمن الإتحادي - لا سمح الله - ولن يبقى شيء من المرجعيات "المقدسة" سوى بسمك اللهم .

.. وإلى لقاء يتجدد .