بين جسرين!

ومرَّة كنتُ في بغداد في نهاية التسعينيات من القرن الماضي...
شاركتُ في صباحيات وأماسٍ شعرية في "مِربد" العراق الذي كان...
خرجتُ مرةً والمساءُ يتثعَّبُ على ضِفة "دجلة"...
جلستُ في المكان ذاته الذي جلس فيه "علي بن الجهم" يرقب عيون البغداديات عند زاوية "جسر الرُّصافة"...
تذكرتُ قوله:

عيونُ المَها بين "الرُّصافة" و"الجِسرِ"
جَلـَبـْنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري

قال لي ابن الجهم: املأ عينك بالنجوم أيها اليماني الغريب...
قلت له:

نجومُ بـلادِ الرافــدين بهيَّةٌ
ولكنني أهوى سُهيل اليمانيا

كان قيس بن الملوح ليلتها يهيم على النهر...
مرَّ ظبيٌ شارد...
جرى بعده المجنونُ، وأنشأ يقول:

أقول لظبي مرَّ بي وهو شاردٌ
أأنتَ أخو ليلى؟ فقال: يقالُ

كنا ثلاثة: أنا وابن الجهم وابن الملوح...
وكانت الراعية تلقي دروسها على جمع من الدراويش عند مقام مولانا عبدالقادر الجيلاني...

عاد شريط بغداد القديم إلى ذاكرتي البارحة...
على "جسر واترلو"، بينما كانت "إميلي بلونت" تحدثني عن نقل السلمون من أنهار بريطانيا إلى صحراء "صيهد" في اليمن...
كانت إيميلي بطلة فيلم Salmon Fishing in the Yemen / صيد السلمون في اليمن...
ضحكتُ وهي تخبرني بثقة أنها ستزرع السلمون في رمال الصحراء...
من يدري؟
ربما بنينا ميناء في مأرب...
ربما كانت أحلامُ الليل حقائقَ الصباح...

كانت ليلى العامرية تمر في الشريط...
تأبطها "إيوان ماكجريجر"...
انتحيا ركناً قصياً من الجسر، وأخذا يتهامسان في حميمية ملحوظة...

قيس كان يذرع "التايمز" شرقاً وغرباً بحثاً عنها...

كانت "مايا" الغجرية الإسبانية تعزف وتبكي...
كان قيس يبكي ليلاه، ويقول:

ألا أيها الرَّكـْبُ اليمانون عرِّجوا
علينا فقد أمسى هوانا يمانيا

كانت مايا تردد:
يمانيا...يمانيا...يمانيا...

أما الراعية فكانت هناك على التلة المقابلة لساعة "بيج بن"...
كانت تقول للدرويش: 
تـَعدَدَ الأحبابُ، لكن المحبوب واحد...