المختطفون.. عارنا الكبير!

تقاس كارثية الحرب بمدى ما تقترفه في حقّ مصطليها من آلام. ودوماً ما نكون معنيّون، نحن العالقون في تفاصيلها، بالتلفّت الواعي، لإحصاء جراحاتنا، لعدّ آلامنا، لحصر تنهداتنا ودموعنا. نفعل ذلك كيما إذا انتهت الحرب، نكون على وعي تام بالأسباب التي جرّتنا إليها، فنتحاشاها، نئدها، وننسج من تلك الآلام جسور السّلام، كون هذه هي الفضيلة اليتيمة للحرب.

آلاف الشهداء، آلاف الجرحى، آلاف الأسر المشردة، أعداد لا تحصى من البيوت المدمّرة والآمال المختنقة المؤجلة،.. وغيرها من الأقدار القاسية التي تمطرنا بها الحرب، والتي لن يعدم أحدنا أن يجد نفسه ضمن إحداها.

لكنّ أكثر هذه الأقدار ضراوة هو: الاختطاف، سيّما حين يكون ذلك من طرف في الصراع متخفف تماماً من أيّ التزام قيميّ إنسانيّ، ويكون الطرف الآخر متوانياً في نضاله من أجل هذه المسألة. من هنا بإمكان المرء أن يتخيّل بشاعة وجود ما يزيد عن اثني عشر ألف مختطف في سجون الميليشيا الحوثيّة!

تتخشّب حنجرة أحدنا وتذوب مؤقه وتتقصّف أضلعه وهو يتخيّل ما يمكن أن تكون عليه معاناة هؤلاء المختطفين، المغيّبين في سجون أكثرها لا أحد يدري عن أماكنها وظروفها شيئاً! يرتعد خوفاً وشفقة وهو ينظر لما يمكن أن يكونوا عليه من خلال ما يراها من وحشيّة وصلف في تعامل هذه الميليشيا مع الموجودين خارج حيطان سجونهم، تحت شمس الله وعلى مرأى ومسمع من العالم كلّه. كيف بهم إذاً مع من كدسوهم في أقبيتهم وغياباتهم؟!

ما أخبرنا بها الذين خرجوا من هذه المحنة من عذابات، تجعل شعر الرأس ينتصب كشوك القنفد؛ كهرباء، تعليق، سلخ، تجويع، حريق، قلع أظافر، عبث بالأعضاء، تذويب بالأحماض،... ناهيك عن العذابات النفسيّة الّتي بعضها أشد ألماً ومرارة من كل عذابات الجسد.. والمخجل في كلّ هذا أنّ شرعيتنا لا تتخذ وزناً لهذه القضيّة سوى باعتبارها بنداً هامشيّاً في مفاوضات عبثيّة، لم تستطع هذه الشرعيّة على مدى هذه السنوات، ككل الملفات تقريباً، أن تصنع أدوات ضغط تجبر المليشيا على إيقاف هذا العبث المخزي.

لحدّ الآن ما يزال الاهتمام بهذا الملف الضخم حصراً على عدد من المراكز الحقوقيّة الأهليّة، تحاول بأدواتها البسيطة وبفقرها المدقع بالتجربة إحداث أثرٍ ما، من خلال المناداة بالإفراج عن فصائل محددة من المختطفين. لتظلّ آلاف القصص الأخرى بعيدة كشمس غاربة، تجلدنا جميعاً بعار التخلّي عن مسؤوليتنا إزاء إخوتنا اليمانيين الّذين يتجرّعون، منذ سنوات، صنوف من التنكيل لا يعلم بمدى وحشيّتها إلى الآن سوى الله!