ثلاثية الموت

لا عجب.. فالمجاعة نتاج واقعي لتردي الأوضاع وتفاقم الأزمات اقتصادياً وأمنيا،ً وسياسياً واجتماعيا،ً في زمن تعيش فيه بلادنا حرباً مشتعلةً وباردة، وصراعًاٌ مزدوجاً بين قوى الوصاية والشرعية، والانقلاب البائد.

 

الجميع يعمل لأجل إنقاذ نفسه خارج منظومة الوحدة المتكاملة، التي ربما لو انصبت الجهود بمجملها لكانت أوقفت الانهيار الشمولي الذي لم نشهد له مثيلا في تاريخنا المعاصر؛ سواءً الانهيار الأخلاقي والقيمي الناتج عن خصومات واحتقان لم تكن وليدة اللحظة، والتي تدفع ثمنه أجيالنا تباعاً.

 

لن تكون اللجنة الاقتصادية ولا التحالف سبباً لاجتثاث البلد المغبون من أوج حالاته سوءً، كذلك إزاحة حكومة بن دغر أو الإطاحة بها، وهو هدف استراتيجي تسعى الشقيقة الإمارات لإمضائه رداً لاعتبارها أمام صلابة بن دغر في أحداث سقطرى وعدن لإرساء حق السيادة الوطنية، وهي مواقف تحسب للحكومة مهما كان حجم هفواتها، إلا انه عامل مهم من العوامل التي دفعت لمشاحنات سياسية نحن في غنىً عنها لو ترك للدبلوماسيين مجال أوسع لردم تلك الاحتقانات.

 

أيضا استمالة التعاطف الشعبي، وخلق بلبلة وتأجيج للشارع، بحجج الفساد الإداري الذي أنهك كاهل الشرعية، ذلك لن يكون في صالح مشروع استعادة الدولة لأنه لايعزز تيار الإصلاح الإداري والوظيفي، وإنما يلغي الثقة ويمكن الخصوم من ضرب المشروع الأوحد من مهده الى رأسه، ولن يحقق توازناً يذكر في تعافي بلدنا من أزمته الاقتصادية، التي يمثل الفساد المالي في وحدات الجيش عشرات أضعافها دون رقيب أوحسيب.

 

إننا فعلاً أمام عوائق شائكة، ساعدت كلها على تفاقم المعاناه والانحدار صوب مربع الصفر، كل هذه الكوارث تعود إلى المسبب الأول والمصيبة الكبرى التي بلي اليمن بها وهي "انقلاب 21 المشئوم" والذي أتاح للعصابات نهب مقدرات وخيرات الوطن على مدار أربعة أعوام متتاليه.

 

إن المشاريع العصبوية المسلحة الصغيرة التي تمولها سياسة الكيل بمكيالين لن تجدي كذلك ولن تحقق المكاسب المرجوة منها مهما تداعت لذلك صيحاتهم مستخدمين كل أدوات القبح، كالاغتيالات وتفجير الأزمات، وافتعال المواقف وتأليب الخصوم، ومصادرة القرار والتحريض على العصيان، والتمرد ومنع تصدير النفظ والغاز، لن يجدي كذلك الصمت الأجوف الذي تنتهجه جماعة الحوثي بعد أعوام من اللصوصية والنهب والفيد، ليذروا المواطن البسيط ضحية الموت والمجاعة.

 

لن نتجاوز كل تلك العقبات إلا بوعي مشترك من كل الأطراف والعمل وفق مهمة واحدة، هي استرجاع سلطة الشعب أولا، ثم بفعل الضمير الحي ووازع المسؤلية من شركاء التحرير، بالتجاوز عن بعض المساوئ لأجل إنفاذ مشروع استعادة الدولة، ودعم خزينة البنك المركزي بعدن، ورفد السوق المحلي بالعملة الصعبة، وإتاحة الفرص للمستثمرين في المجال النفطي بتكثيف أعمال التصدير ، كذلك تفاعل رؤوس الأموال المحليين، والانضباط وفق محددات اللجنة الاقتصادية دون تلاعب يذكر، وإتاحة مناخ آمن وملائم لعودة الشرعية بصورة نهائية للعمل دون افتعال أزمات أمنية وسياسية، ولن يكون ذلك الابتنازلات وضمانات إضافية تقدمها الحكومة الشرعية لشركاء التحرير.