هل تنجح السعودية في كسب ود أهالي المهرة اليمنية ؟!

منذ منتصف شهر مايو أيار 2018م دشن المئات من أبناء محافظة المهرة اعتصاما سلميا في مدينة الغيضة عاصمة المحافظة احتجاجا على قدوم قوة عسكرية سعودية إلى المهرة تمركز جزء منها في مطار الغيضة وفي المؤسسات الحيوية بالمدينة وبالتزامن مع توسع نشاط القوات السعودية بالمحافظة وانتشارها في المطار والموانئ والمنافذ وتواجدها في الساحل والخط الصحراوي واقامتها لنقاط تفتيش في عدة مناطق بالمحافظة تواصل اعتصام السلمي في الغيضة للمطالبة برحيل هذه القوات وتم تنظيم عدة فعاليات ومهرجانات أوضح فيها أهالي المهرة رفضهم لوجود قوات سعودية في المحافظة البعيدة عن اجواء الحرب مع مليشيا الحوثي في شمال اليمن . 
القوات السعودية في المهرة تقول أن وجودها هو بالأساس لدعم القوات اليمنية وتدريبها واسنادها ومحاربة عمليات تهريب السلاح والمخدرات بينما يرى أهالي المهرة أن هذه القوات السعودية تنتهك السيادة اليمنية ويتهمونها بخلق مشاكل وأزمات في المحافظة وارتكاب انتهاكات بحق أبناء المحافظة كما أكد على ذلك تقرير صادر من مكتب حقوق الإنسان في الغيضة والتابع لوزارة حقوق الإنسان اليمنية التي بدورها تبرأت من التقرير وأوقفت مدير فرعها بالمهرة عن العمل وأحالته للتحقيق. 
في نهاية شهر أغسطس آب 2018م نشرت وسائل إعلام يمنية وثيقة تظهر قيام  البرنامج السعودي للتنمية باعتماد خطة لتطوير ميناء نشطون وزيادة طاقته الاستيعابية وفي إطار هذه الخطة مد أنبوب نفط سعودي من الخراخير إلى ميناء نشطون اليمني على البحر العربي وهو ما أعتبره أهالي المهرة اعتداء سعودي على الأراضي اليمنية وانتهاك للسيادة اليمنية ونوع من " الاحتلال السعودي لأراضي المهرة " كونه ــ بحسب بياناتهم ــ يأتي بدون تنسيق واتفاق مع الحكومة اليمنية ودون موافقة أبناء المحافظة ولذا تواصل الاعتصام السلمي بالغيضة .
• تجاهل حكومي لما يحدث بالمهرة 
الحكومة اليمنية بدورها لم تعلق بشكل رسمي على ما نشر حول مد أنبوب نفط سعودي عبر أراضي المهرة لم تنف ولم تؤكد تجاهلت الأمر تماما كما لم يصدر عنها أي تعليق حول الاعتصام والتحركات السلمية لأبناء المهرة الرافضين للتواجد السعودي فيها ورغم زيارة رئيس الحكومة معين عبد الملك للمحافظة بتأريخ 24 أكتوبر تشرين أول 2018م للإطلاع على الآثار التي خلفتها إعصار " لبان " إلا أنه ــ بحسب المعتصمين ــ رفض مقابلة وفد من الشباب المعتصمين في الغيضة كما فشلت عدة وساطات بإقناع وكيل المحافظة السابق الشيخ علي سالم الحريزي بإيقاف تحركاته وفض الاعتصام والتوقف عن تنظيم فعاليات ضد القوات السعودية وعندما فشلت السلطات المحلية والقوات السعودية في احتواء هذه التحركات السلمية ضدها أصدرت بتأريخ 25 سبتمبر أيلول 2018م عبر اللجنة الأمنية العلياء تكليفا للعمليات المشتركة بحضرموت بإلقاء القبض على الشيخ علي سالم الحريزي وكيل المحافظة السابق " بدعوى الإعتصام والتظاهر لزعزعة الأمن وتشويه صورة التحالف " إلا أنها تراجعت عن هذا التحرك الذي أتى بنتائج عكسية واتخذت سياسة أخرى سنتحدث عنها لاحقا . 
• وفد أممي لتقصي أوضاع المهرة 
رغم عدم تعليق الحكومة اليمنية على الاحتجاجات السلمية في المهرة ضد وجود القوات السعودية كما أسلفنا ورغم الاتهامات التي توجهها بعض وسائل إعلام الشرعية والتحالف للمعتصمين في المهرة حيث تتهمهم بـ " العمالة لقطر والتحرك بإيعاز منها لزعزعة الأمن والاستقرار في المهرة " إلا أن قيادة وشباب الاعتصامات السلمية الرافضة للوجود السعودي في المهرة واصلت تحركاتها وكسبت شخصيات كبيرة من أبناء المحافظة وحققت أول انتصار واعتراف دولي بهذه القضية عندما أرسل مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث بتأريخ 20 يناير كانون 2019م وفدا لتقصي أوضاع حقوق الإنسان في المهرة ولقاء المعتصمين في الغيضة حيث وصل مستشاري مكتب المبعوث الأممي اليمن بيتر رايس وماساكي واتانابي إلى المهرة لتقصي الأوضاع فيها وتم في هذه الزيارة التعرف على مطالب المعتصمين في الغيضة كما قاما بلقاء عبد الله عيسى بن عفرار أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية في المحافظة في مدينة صلالة العمانية . 
• سياسة سعودية جديدة في المهرة 
 اتبعت السعودية سياسة جديدة في محافظة المهرة وهي سياسة ضخ المشاريع التنموية لكسب ود الأهالي واقناعهم بأن الوجود السعودي هو لصالح أبناء المحافظة ، تبنت السعودية إطلاق قناة " المهرة " الفضائية وقدمت 100 عمرة مجانية لأهالي المهرة كمنحة من الملك سلمان بن عبد العزيز وتم تخصيص رحلة جوية للمعتمرين من أهالي المهرة حيث انطلق الفوج الأول من مطار الغيضة بحضور قيادة القوات السعودية في المهرة كما أرسلت السعودية وفدا تنمويا للمهرة برئاسة عبد الهادي القحطاني المدير التنفيذي للبرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن وقد تكفل البرنامج ببناء 12 منزلا للمتضررين من إعصار " لبان " في مديريات الغيضة والمسيلة وحصوين كما تكفل البرنامج السعودي ببناء مدرستين بمنطقة الاتصالات ومجمع السعيد بالغيضة وتبنى حفر 12 من الآبار الارتوازية في مناطق المحافظة إضافة إلى توزيع ناقلات مياه ( وايتات ) ومعدات زراعية على المزارعين . 
كما تبنى البرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن تمويل إنشاء محطة توليد كهرباء جديدة في مدينة الغيضة بقوة 40 ميجا وات 
وقام البرنامج السعودي بطباعة 192 ألف كتاب مدرسي وتوفير 12 باصًا مدرسيًا لنقل الطلاب و10 الآف حقيبة مدرسية وطاولات وكراسي للمدارس التي بلغ عددها 150 مدرسة بالمهرة وفي قطاع الطاقة والمياه، كما تم تقديم 15 صهريجًا للمياه ومولد كهربائي بقوة 264 كيلو وات ، وحظي قطاع النقل على مشروع لصالح ميناء نشطون بتوفير رافعة 5 أطنان وكرين 30 طنًا، وتأمين سيارة إسعاف وعربة إطفاء لمطار الغيضة .
وهناك وعود بمشاريع أخرى واستثمارات عديدة وضم العشرات من الشخصيات المؤثرة إلى قوائم اللجنة الخاصة السعودية وصرف رواتب ومستحقات لها ورغم كل هذه المشاريع والوعود السخية إلا ان الاحتجاجات السلمية تواصلت وكسبت زخما أكثر وأصدرت عدة أحزاب سياسية بيانا أيدت فيه مطالب المعتصمين في الغيضة كما واصل الشيخ علي سالم الحريزي تحركاته داعيا أبناء المهرة إلى الدفاع عن سيادة المحافظة مهددا باللجوء " للكفاح المسلح " ضد القوات السعودية في المحافظة ووصل الأمر مؤخرا إلى قيام مجهولين بإحراق مباني متنقلة " كرفانات " تابعة للقوات السعودية في مديرية شحن وهو ما يعني أن سياسة الاحتواء السعودية ومحاولتها كسب ود أهالي المهرة بالمشاريع والمساعدات والوعود قد فشلت وأنهم ماضون في تحركاتهم السلمية التي ربما تتطور إلى عمل مسلح ضد القوات السعودية التي يرون أنها تنتهك السيادة اليمنية خاصة في ظل هذا الصمت المتواصل من قبل الحكومة اليمنية وحينها ستجد السعودية نفسها أمام خيارات صعبة وهي أما الانسحاب وترك المحافظة لأبنائها أو مواجهة هذه التحركات عسكريا أو الزج بالقوات اليمنية التي تبدو حتى الان على الحياد في هذه المعركة وفي كل الظروف والأحوال فإننا نتمنى على السعودية وقيادة الشرعية تفهم مطالب أهالي المهرة والحوار  الجاد معهم للوصول إلى حلول تجنب المحافظة الهادئة الدخول في أتون الفوضى وعدم الاستقرار وتحفظ للمحافظة سيادتها وتحقق مصالح أبناءها بشكل سلمي  .