أنين المدينة المنكوبة 4

 ذهبت لزيارتها، استقبلتني بلونٍ باهت من كل مقومات الحياة تكفكف دمعها وتبتسم لي ابتسامة شقت طريقها بصعوبة، مراحب بالغالية كيف حالك؟، رددت بشوق اليك ياخاله، حبيت أطمئن عليك، يا بنتي سأكون بخير إذا احتضنت ولدي حتى لحظات وأموت بعدها أكن قد اطمأنيت عليه.

 

ياخالة سيخرج الأبطال من السجن شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها، يا بنتي كم قد ماتوا شباب تحت التعذيب قلبي على ولدي يعذب من عذابه أنا خائفة عليه، والله يا بنتي إن قدنا أفزع من أي إتصال وأخاف من أي زائر كي لا يأتي أحدهم يخبرني بأمر سوء يخص إبني. ياخالة ربك كبير قولي كيف كانت أخر زيارة أنا سمعت في الأخبار إن الوضع سيئ في سجن الأمن السياسي وجيت اطمن عليك. غطت وجهها بكفيها المرتعشتان وأسدلت دمعها وأخذت شهقة شعرت أن روحها تنتزع ربت على كتفها ياخالة صدقيني أن محمد سيخرج بطل تفخرين به مدى حياتك.

 

رفعت رأسها وقالت يا بنتي وصلت أسابق الدقائق والثواني بلهفة فقلب الأم شوق لا يعرف الكل والملل، ما إن إقتربت من بوابة الأمن السياسي حتى تتبد فرحتي وأصابتني خيبات أمل مجرد رؤيتي للجموع الغفيرة والسواد الأعظم، أمهات قلوبهن فارغة إلا من فلذات أكبادهن القابعين في زنازين الموت البطيء. أيوه ياخالة وبعدين. زحفتُ بخطى متثاقلة أقتربت من إمرأة قد هدها العجز والقهر يا بنتي، وسألتها ما لهم اليوم ؟!! كيف استطيع الوصول إلى يوسف المجرم هذا ؟، أريد أن أدخل لإبني ملابس قال ما معه ولا شيء إلا البدلة الزرقاء حق السجن.

 

جملة من الاسئلة سردتهن الأم لم تجد لها إجابة. ردت عليا الأم العجوز المظلومة أنا ما عاد خلوني أزو ابني هذا الأ سبوع الثاني وأنا محرومة منه ولا سمحوا لي أدخل له العلاج، إبني كان بخير متعافي قبل ما يختطفوه. قاطعتها ياخالة الله لن ينسى صبركن هذا وجهادكن أنتنّ عظيمات أنجبتن عظماء، الله أختارهم لإمتحان صعب. مسحت دمعها وأردفت قائلة، يا بنتي مديت يدي للمرأة العاجزة مواسية إياها وقلت لها تعالي ياحجة نجرب حظنا نشوف أيش بيقلنا يوسف، قالت: كيف بنوصل له ما بيسمعنا والله يابنتي إنهم يفرحوا لذلنا في هذا المكان.

 

الوضع اليوم غير طبيعي فكثيراً من النساء والأطفال يبكون والوجوه حائرة حزينة وكل المتحدثات تحت تلك الشجرة يتكلمن عن القائم بالتعذيب "يحيى سريع" تعددت الحالات والجاني واحد. حاولنا الوصول للمشرف قطعنا الزحام بادرت المرأة المسنة بالقول: ياولد خلني أدخل اشوف ولدي قد رديتني الأسبوع الأول؟ أجابها ممنوع!، .. ياولدي كيف ممنوع بأي حق تعاملونا هكذا؟! ياحجة ممنوع بطلي كثرة الكلام! اتقوا الله لا سمحتوا بدخول العلاج ولا الملابس ولا الأكل وتمنعني الآن من أن أرى ولدي ؟! بوجهٍ عابس تمعر غضبا وانسلخ من إنسانيته لايجيد إلا الخبث، "ياحجة لا أزيد أسمع كلمه وإلاّ سنحرمك من أبنك شهر ما تلقيه!.

 

شاركتها الحديث الله ينتقم منهم حتى العجوز ما يرحموها قالت: لي الخالة يا بنتي أنا حبست دموعي وقبضت على قلبي ورديت عليه قلت له " هذه أيام لن ننساه لكم الله عدل ماذنب عيالنا تصادروا ملابسهم وأدويتهم وتعرضوهم لتعذيب بأي حق تتجرؤن على فعل هذا، استشاط غضباً ورد عليا :أنتم أصلا تتكلموا عن التعذيب وتنشروا في الفيس بوك والإعلام تستاهلوا. بصوت يزمجر قوة وصلابة ردت أم محمد: ماعندنا ما نخسره أولادنا يتعرضون لتعذيب والتنكيل وتقلنا نسكت لن نسكت هي روح واحده لن تخرج إلا بأجل مسمى. لك يوم يا ظالم يامن لا توقر كبير ولاترحم صغير ولا تراعي حق أسير، دموع الأمهات ودعواتهن سهام لا تخطئ ستنجلي هذه اليالي السود وتذهبون إلى الجحيم بدعوات الأمهات المظلومات والرجال المظلومين.

 

انتهى الحوار وسط ضجيج الزوار المكتظين في بوابة الزيارة والذي قفلوا عائدين لم يسمح لهم بإدخال الأ كل والدواء لأبنائهم داخل سجن الأمن السياسي بصنعاء. وعادت الأم تمطر دموع القهر والأسى حزناً وكمداً شاردة الفكر تحس بلسعات السطو الواقع على إبنها كأنه على جلدها، وإن ذهبت لنوم جافاها تضامنا لفلذة كبدها وأن حضرها الأكل عافته حتى يأكل ولدها وإن جلست للحديث مع جارته لم يكن لها حديث غير ذاك القابع في الزنزانة والساكن حنايا قلبها.

 

من يخرج لها ولدها من ينقذ ولدها من سياط العذاب من يكسر القيد ويمنح الحرية لروحها.