الحرب عابرة الأجيال

​عشنا نحن اليمنيون عمراً من الحرب اختبرنا فيها كل المآسي وصنوف العذاب التي قد تلحق بالإنسان، وتجرعنا مرارات خذلان متتالية كلما استبشرنا خيراً بأحدهم أو حتى بمرحلة قد تكون مفصلية في حياة البؤس التي نحيا.

ليست هنا المشكلة فقد مررنا بما مررنا به وتستمر الحرب!

إن المعضلة الحقيقية تكمن فيما بعد ذلك، في هذه الأجيال التي تنفست البارود مع أول نفس ولجت به الأرض، فرأت الموت يبني لنا أضرحة لا نهاية لها.

أجيال الحرب التي تفتح وعيها على العنف، التطرف، البشاعة والدم، وباتت آثارها مزروعة تحت جلودهم، وتداعياتها لن تزول بمجرد أن تضع الحرب أوزارها، وإنما تبقى متشبثة بضحاياها عقوداً من الزمن، وإن جرى تجاهلها فتستمر في تفتيت التركيبة الإنسانية وتعطل حواس ومدارك الفرد الذي يغدو معاق التفكير والعمل.

والأم ضمن مصفوفة المعنيين بإزالة هذا التشوه، وهنا نتساءل ما المسؤولية الحقيقية التي تقع على أمهات اليوم.. كيف يمكن لهن أن يعبرن كل هذه البشاعة المحيطة ويصلن بأطفالهن إلى بر الأمان؟.

لا شك أن السلام الحقيقي في أيديهن حصراً، من يصنعن السلام لا من يتحدثن عنه، من يحدثن السلام لا من يستخدمنه “بروبغندا” لكسب شهرة ما!

الأمهات من يقع على عاتقهن زرع القيم والأخلاق الإنسانية التي لا تقوم للمجتمعات قائمة إلا بها وبذور حصيلتها سلام لا محالة، إنهن من يعدن لواقع يمني مغاير، واقع نريده ويريدنا، واقع نعيش فيه كلنا كيفما كنا وبأي ديانات نعتنق.

دعونا لا نستهين بموضوع كهذا فإن ما يحدث للأطفال نتيجة التعرض لمشاهد العنف المتكررة، يؤدي إلى تغيرات سيكلوجية تؤثر على أدمغتههم وتترك بصمتها في شخصية الطفل على المدى البعيد.

وليس ذلك فحسب، بل إن التطبيع مع العنف المحيط يسبب اضطرابات يعبر عنها الطفل بأوجه مختلفة مثل السلوك العدواني نحو الآخرين والتعامل بخشونة مع الزملاء وسرعة الاستثارة الانفعالية وعدم التدخل لحمايته من تفاقم هذه المظاهر سيجعلها تلازمه طوال حياته مما ينشئ جيلا قابلاً للاقتتال في أية لحظة ودون تردد ولن تكف عجلة الحرب عن الدوران .. ستظل عابرة للأجيال!..

وبالتالي كأمهات يقع عليهن مسؤولية حماية أطفالهن من تداعيات العنف والكراهية المشاهدة والمعاشة،يجدر عليهن التركيز على هذه النقاط:

1- الحديث مع أطفالهن عن مخاوفهم.

2- عدم تعريضهم لمشاهد العنف.

3- محاولة تهدئتهم وإشعارهم بالسلام.

4- شرح الأمور لهم وتبسيطها ليحاولوا استيعابها..وبالتالي يسهل عليهم التفرقة بين الخير والشر.

لا بد أن يبدأن الأمهات بمعالجة المرض ووضعه تحت السيطرة قبل ان يفوت الأوان، وإذا تطلب الأمر فإن المعالج النفسي سيكون فكرة جيدة. وهذا كله لن يكون واقعاً بمحض محاضرات تملىء على مسامعهم، فلن يفعل الأولاد إلا ما يروا أهاليهم يفعلونه، ولذلك فالسلام ممارسة وحياة فعلية لن يولد ويعاش إلا على أيديكن، فأبدأن بزراعة السلام في وجدانكن وأرواحكن وممارستكن وسلوككن اليومي ليزهر براعم ورد في نفوس وممارسات وحياة أطفالكن.