الإصلاح في ذكرى ميلاده

  في الثالث عشر من شهر سبتمبر 1990م، كان يوم ميلاد التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، ذلك أن إعلان الوحدة اليمنية كانت قد أقرت أن تأخذت بمبدأ التعددية السياسية، و لأول مرة في اليمن بشطريه.

   و الحقيقة - و بعيدا عن المبالغة أو الغرور -  أن الإصلاح ولد كبيرا ؛ لسبب لا تخطئه العين، و لا يجهله النظر، ذلك أن الإصلاح جاء من عمق بيئته الفكرية و الثقافية و التاريخية، مستلهما حضارة مجتمعه الممتدة، حاملا لطموحات شعبه، متبنيا لأهدافه و رسالته الحضارية الرائدة .

   من هنا جاء الإصلاح كبيرا منذ لحظات ميلاده، و لكنه الكِبَر الذي لا يصاحبه كبْر أو غرور، فتراه يمضي في تجربته سِلما، و يمد يده سلاما، و يمارس نشاطه بأدوات مدنية و ديمقراطية .

   و بالرغم من أن إعلان التعددية السياسية في اليمن مع قيام الوحدة اليمنية جاءت إثر ظروف سياسية كانت تسود الشطرين، كنتيجة طبيعية لحالة الاستقطاب الحاد الذي كان يشهده العالم آنذاك بين كلا المعسكرين : الشرقي و الغربي، و هو ما ألقى بظلال قاتمة على أقطار العالم الثالث عامة، و البلاد العربية خاصة، و منها اليمن .

     أعلن التجمع اليمني للإصلاح ميلاده، و لم يتقوقع على نفسه، و لم ينزو في كهوف أو سراديب منعزلا عن الآخرين، بل سريعا ما انخرط في تجربته منتهجا أدوات الفعل السياسي السلمية، عبر حضوره في منظمات المجتمع المدني من نقابات، و اتحادات، مشاركا في كل الجولات الانتخابية، مقيما علاقاته الثنائية مع مختلف الأحزاب، مقدما صورة عملية لتجاوز تلك الظروف الانقسامية الحادة - في الشارع السياسي - الذي فرضها - كما سبق القول - الانقسام العالمي بين المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي .

   يحتفل- اليوم- التجمع اليمني للإصلاح بذكرى ميلاده الثلاثين، و هو على عهده الذي نشأ فيه، و ولد عليه ، يتحرك في إطار الدولة، و يمارس كل أنشطته أو حتى معارضته بأدوات سياسية سلمية باعتبار أنه حزب سياسى مدني منفتح على كل فئات المجتمع و شرائحة، غير مسكون بدهاليز المناطقية، و لا متمترس في كهوف و سراديب طائفية . و لذلك تراه ممتدا بامتداد التربة اليمنية و على مختلف الشرائح الاجتماعية .

   و على الإصلاحيين و الإصلاحات و كل مؤيديهم و مناصريهم، و هم يحتفون - اليوم - بالذكرى الثلاثين لتأسيس الإصلاح، أن يمضوا كالعهد بهم صفا متماسكا، منحازا للشعب و الوطن، عاملا في إطار الدولة، و تحت راية الشرعية، مدافعا عن هوية الأمة و كرامة الوطن، متصديا للمشروع الظلامي للكهنوت الحوثي الذي ترعاه إيران و تسانده.

    في زمن التطبيع، و غياب دور بعض النخب السياسية، أو التفكير النفعي - عند بعضها - في الوطن العربي سعيا وراء فتات ترميه لها هذه الأنظمة أو تلك، فإنه يتوجب على كل الإصلاحيين و الإصلاحيات ؛ بل و على الشعب اليمني كله، و قواه الحية ، أن تتماسك صفوفه، و أن تتضافر جهوده فيما يخدم الوطن و الأمة ، و أن تكون ثوابت الوطن ، و أن تكون ثوابت الأمة في مكانة لا ينتقص منها، و لا يكون التفريط بها، و إنما تكون تلك الثوابت معالم طريق، و منارات أهداف ، لا ينحرف عنها فعل، و لا يزيغ عنها فكر .

    يحتفل الإصلاح اليوم بذكرى تأسيسه ؛ ليذكر باستئناف السير و المسير، و ليشد بعضنا بعضا و يبصّر بعضنا بعضا نحو المضي في تحقيق الأهداف ، و ليس الاحتفال للتباهي و لا لزعم العصمة من أي خطأ أو قصور، و لكن حسب الإصلاح و هو في ميدان العمل و النضال المتواصل، أن مواقفه الوطنية في هذه الظروف الاستثنائية واضحة من غير لبس، صريحة من غير غمغمة، و ما يزال - بفضل الله و تماسك صفوفه - مرابطا في كل ميدان، حاضرا في كل مجال، غير مبدل و لا مستبدل ، لا يغره الثناء، و لا يحبط جهده و جهاده تلك الحملات الإعلامية الممنهجة التي تريد النيل منه أو تحاول التشكيك به " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".