من الذاكرة اليمنية .. جناية الحلفاء!

لعبت كلاً من الإشتراكية والليبرالية بالتوازي الدور الأبرز والأهم في سقوط البلاد بقبضة ثلّة من الأوباش والبرابرة غاروا على مؤسسات الدولة وشرعية المواطن؛ يصطفون أنفسهم بألقاب من نسل لا ينتمي لهذه الأرض الطاهرة، ويُدرّعون أنفسهم بتراث بالي الصحة، وروايات مهترئة مصدرها تلمود صحراوي منحول الأثر.

 

أين المشكلة؟ —

المشكلة تكمن في أفكار ومبادئ مستوردة توردت علينا من أفول الاتحاد السوفييتي البائد، ومثقفيّ الغفلة؛ ذيول مدرسة فرانكفورت، وحداثيو المعسكر الغربي — الجناح اليساري الثورجي—، مُذ قيام الجمهورية! لقد أفضت تلك الأيديولوجيات الأكثر إماتّة وسمّية من القبلية والعشائرية وحتى الطائفية، إلى تمكين [الهاشمية] فكرًا وممارسة كحقيقة فارضة وسلطة الأمر الواقع، بعدما كانت عبارة عن حكاوي تقص على لسان الأجداد.

 

لماذا حكاوي؟ يعود الفضل، كل الفضل، في إبادة ورم اليمن الخبيث للسعي الحثيث؛ إما عن طريق المفاوضات أو البنادق البدائية للآباء المؤسسين الأوائل في منتصف ستينيات القرن الماضي.

 

لقد اتفقوا أهل الفضل رغم كل الخلافات على شيئًا واحد: [تجريم الهاشمية ككل]. كان للآباء المؤسسين الأوائل نزعة أنانية نيّتُها الحفاظ على تضحيات الرجال ومقدرات البلد على المدى الطويل .. بيد أن وجهة نظر صائبة ودقيقة تجاه هذه الجماعة المشؤومة لم تدم طويلًا، إذ قوبلت بالاستهجان والمناهضة من قِبل مُمثلي اليسار والناصرية تحت مبدأ "المواطنة" و"المساواة". لداعي الأسف لم يُقّرأ التاريخ بعناية شديدة على يد الأخير، الآباء الأوائل فعلوا ذلك؛ لذا كانوا يحملون نظرة حذرة ومتربصة بوصف الهامشية عدو محتمل الحدوث بأي لحظة تحت أي ظرف مواتي. يجدر الإشارة هنا بأن هذا النزوع الصحي صوب آفات المجتمع يسميه الإنسان الحداثي المعاصر؛ "تمييزًا عنصريًا"! انطلاقًا من هذا المبدأ تم وأد التحصين والمضادات المناعية التي تقي من شرِ بني هاشم في اليمن، باعتبارهم أقلية مسحوقة تآمر عليها النظام وسلبَ حقّها.

 

أما الاشتراكي بدوره جاء مناديًا بمظلومية الأقليات والعدالة الاجتماعية المجنونة، قصده يختزل تاريخية البلد بخطاب مادي، ويفسره من ثم باكليشة "صراع الطبقات". ماذا ترك لنا ذلك؟ — ببساطة، صعود خاطف لقوى الهاشمية تقبض بالفور على مفاصل الدولة بدايةً بإسم العدالة الاجتماعية، والمساواة، والمواطنة، والحق الاجتماعي، والحق الإلهي، والمناصفة السياسية..الخ، وليس انتهاءًا بانتزاع حق الخُمس المزعوم بالحديد والنار. بهذه التراجيديا الساخرة قُدمت الدولة بطبقٍ من ذهب لأيدي الهاشمية. هل أنتهى الأمر عند هذا الحد؟ — لا، لمحة خاطفة حول الشخوص التي تتصدر مشهد الدفاع عن الجمهورية؛ تدفع شعور اليأس فيك.

 

فلا يكفي كونهم الأبناء الشرعيون للمشكلة الأصل! وإنما بواقحة لم يكفوا تواريًا عن المناداة بحلول منطلقة من أفكارٍ منحلة أدخلت البلد في مأزقٍ رهيب! نحو هذا الشكل قد أمضيا اشتراكيو—ليبراليو الأمس على عقد نحر الدولة اليمنية، واليوم تدور نفس الدائرة في شرعنة وتقوية موقف الهاشمية التي أُعيدَ إحياؤها من جديد عبرَ التسامح مع بعض طبقاتها الأسرية تارة، ودعوات الهدن، والتسويات، وفتح المطار، بل والقبول المذعن بها كطرف رئيسي غير مستبعد من العملية السياسية اليمنية تارة أخرى.

 

إنَّ لجناية الأيديولوجيات الدخيلة على قومنا ودولتنا أثر بالغ. آنا لهذه الجناية أن تُمحى من الذاكرة اليمنية .. آنا وهي تكفلت بعودة كلب للصحوان استرحنا من عواءه! وها هو يسجل بعودته في سبعِ سنوات حتى اليوم النسخة الأشد شراسة وعداوة طيلة 1400 عامًا من التمزق والانتكاس.