جزائري يحول علب المشروبات الغازية لتحف فنية جميلة (صور)

سجائر ومشروبات طاقة

بمنزله العائلي الفسيح بضاحية بوزريعة بأعالي الجزائر العاصمة، يتخذ إلياس وعراب من إحدى غرفه فضاء لتجسيد موهبته بتحويل علب المشروبات المستعملة ونفايات أخرى إلى تحف فنية جميلة تثير الإعجاب والدهشة.

للوصول إلى منزل وعراب (48 سنة) يتطلب الأمر وجود مرافق بسبب ضيق الشوارع وتشابهها ووقوع المنزل في زقاق ضيق عند سفح هذه الضاحية التي نمت بناياتها على الجبل المطل على حي باب الوادي الشعبي الشهير وساحل العاصمة.

اقراء ايضاً :
سيارة مكشوفة مصنوعة من علب المشروبات الغازية (الجزيرة)
 

العلب الغازية تحف
بالغرفة التي تطل على فضاء رحب لا يأتي منه حس ولا ضجيج تتوزع بزواياها أكياس تحمل علب مشروبات مستعملة لكنها توجد بحالة جيدة بعد غسلها وتنظيفها، وتحف فنية توزعت على إحدى الطاولات تبرز الخيال الواسع والروح الإبداعية العالية لصانعها.

وعلى هذه الطاولة تتوزع طائرات حربية ومدنية وقطارات وسيارات ولعب أخرى صنعت كلها –حسب وعراب- من العلب المستعملة للمشروبات الغازية "كل هذه التحف مصنوعة من العلب المستعملة بدءا بالعجلة وصولا إلى المقود والأبواب والأجنحة وغيرها".

"بهذه العلب صنعت مخادع الهاتف الإنجليزية والحافلات اللندنية فضلا عن طائرات بأنواعها وقطارات وسيارات وبواخر ومصابيح ولعب أطفال وغيرها".

دراجة نارية سوداء مصنوعة من علب المشروبات الغازية (الجزيرة)
 

كل النفايات تصلح للفن
لا يشترط وعراب لتحويل خياله الرحب إلى أفكار عملية مدهشة سوى "علبة" وبعض الأدوات كالمقص والمادة اللاصقة ومفك براغي وكثيرا من الهدوء.

الأدوات التي يستعين بها بسيطة جدا، يقول إنه سيجعل من عمله أكثر غزارة وإتقانا وأكثر إبداعا لو كان بيده بعض الآلات الحديثة "ولو كنت أملك إمكانيات ضخمة لصنعت العجب. يمكنني مثلا أن أرسم في لحظات وجه شخص في علبة وأنا بصدد تحويلها إلى سيارة أو طائرة أو غيرهما".   

 طائرة حربية مصنوعة من علب المشروبات الغازية (الجزيرة)
 

ويستطرد "كل ما أصنعه مصدره النفايات. أصنع تحفا من علب المشروبات المستعملة والورق المقوى وغيرها. أنظف العلب ثم أقطعها أجزاء بحسب كل تحفة لاستغلال معظم العلبة وأستغني عن 1% فقط".

ويزيد بالقول "بالتالي فأنا هنا أكون قد ساهمت بشكل مباشر في الحفاظ على البيئة بتخليصها من هذه العلب مع كل ما تشكله من خطر بسبب المواد الكيميائية المكونة لها، وبالمرة تخليص المحيط من المناظر المقززة والمنفرة".

سيارة مكشوفة مصنوعة من علب المشروبات الغازية (الجزيرة)
 

خيال واسع
في حديثه للجزيرة نت عاد وعراب إلى بداياته الأولى مع ممارسة هذه الهواية التي تثير الإعجاب والتقدير "كنت ذات مرة أتأمل خليج الجزائر من شرفة سان رفائيل بضاحية الأبيار (أعالي العاصمة) التي تمنح منظرا جميلا، حيث يمكنك رؤية العاصمة من الأعلى من شرقها إلى غربها في منظر نادر جدا".

ولاحظ وقتها انتشار علب مشروبات بالمكان في مشهد منفر، فقرر الاحتفاظ بواحدة منها، وعند عودته للمنزل قطعها وألصقها لإرواء فضوله لا غير، لكن العملية منيت بفشل ذريع لأن المادة اللاصقة كانت سيئة.

وبعد مدة عاوده الحنين فجلب علبة أخرى، لكن هذه المرة استخدم مادة لاصقة نوعها جيد، وبشيء من التركيز والاهتمام شد أجزاء العلبة بالمادة اللاصقة، ونجح بتحويل العلبة لتحفة مثيرة، وكانت طائرة حربية طراز سنة 1942.

وأضاف "حدث ذلك قبل نحو عشر. أعجبت الطائرة كثيرا من الأصدقاء، وطلبوا مني صنع أخرى، مما فجر موهبتي وزاد همتي لصنع المزيد. ثم وجدتني أصنع تحفا فنية أخرى".

ويتابع وعراب "ربما كان لممارستي صناعة الحلي والمجوهرات في صغري، لفترة تقارب عشر سنوات، عند بعض الخواص ببعض أحياء العاصمة فضل في مساعدتي على تحمل متاعب عملي الجديد. فهذه المهنة تتطلب من صاحبها الدقة والتركيز والصبر مع وجوب التمتع بخيال واسع لتنفيذ مختلف الأفكار ".

"الحمد لله طالما كنت أتمتع بالخيال فإن الأفكار لا تعوزني. اليوم بإمكاني تحويل النفايات إلى أي تحفة أريدها، خصوصا مع التثمين الشعبي لما أبدعه، والإقبال المتزايد على شراء هذه التحف، ولدي مشاريع أخرى إبداعية ربما تبتعد عن علب المشروبات، أريد أن تبقى طي الكتمان إلى أن أفرج عنها في معرض خاص سيقام قريبا بباريس إن شاء الله"، يقول وعراب

الفنان إلياس وعراب يحول النفايات إلى تحف فنية (الجزيرة)
 

الاعتراف.. بطاقة فنان
لا يبدو أن وعراب يعيقه شيء في ممارسة هوايته رغم بعض المتاعب التي تعترض سبيله.

فمن أجل توفير العلب المستعملة يتطلب منه التنقل إلى ضاحية الرويبة (بشرق العاصمة) حيث يوجد مصنع للمشروبات الغازية، قاطعا مسافة تزيد عن ثمانين كيلومترا ذهابا وإيابا، وإلا فإنه يضطر للبحث عنها في شوارع ومكبات النفايات ببوزريعة والأحياء المجاورة، وهي عملية مرهقة وتتطلب جهدا كبيرا.

غير أن وعراب يعتقد أن كل هذه المتاعب تزول بمجرد البدء بتحويل العلب إلى تحف فنية تنفيذا لطلبية من هنا أو هناك، لكن ما يؤلمه هو عدم الاهتمام الرسمي بإبداعه.

"تحفي وصلت إلى أميركا بفضل الأجانب الذين يقتنونها عند زيارتهم لبلدنا، لكن لا أحد من الجهات المسؤولة بالجزائر أبدى اهتماما بإبداعي، أو سأل عني أو استجاب لطلباتي وما أكثرها، ما أريده من السلطات المختصة هو الاعتراف بي كفنان يستحق أن يحظى ببطاقة فنان. وعلى القائمين على الفن في بلدنا أن يدركوا أن الفن هو كل إبداع يستحق التشجيع".

المصدر : الجزيرة