وأخيرًا

انكشاف لغز الدور السعودي ‘‘المحير’’ في أحداث عدن .. وهذا ما فعلته بقادة الحماية الرئاسية أثناء اندلاع المعارك

قوات الحماية الرئاسية في عدن

ينزلق اليمن بعد أربع سنوات من حرب مفتوحة تشنها المملكة العربية السعودية تحت غطاء استرجاع الشرعية، نحو المستنقع ويقع فريسة الأطراف المتصارعة التي تغرقه في مياه ضحلة ليس بوسع أبنائه الإبحار نحو بر الأمان.

المشهد الحالي يجسده واقع مرير عنوانه الأبرز انفصال الشطر الجنوبي، بدعم إماراتي واضح وجلي لخطط التقسيم، تنفيذاً لأجندات دولية تنكشف بمرور الوقت.

اقراء ايضاً :

 

ادعاءات الرياض بتشكيل تحالف عسكري في اليمن يهدف لكسر شوكة جماعة الحوثيين، واستعادة أراضي الشمال التي سيطروا عليها، تسقط أمام مخرجات الوضع الذي أوجد واقعا جديداً، محصلته خسارة الشمال والعاصمة صنعاء، واتجاه الجنوب وعاصمته عدن، نحو الاستقلال عن الشرعية.

انقلاب مجريات الصراع في جنوب اليمن، ترسخ بعد ما سيطر الانفصاليون الجنوبيون المدعومين من الإمارات على عدن، بشكل فعلي، وتحديداً عندما استولوا على قواعد الجيش التابعة للحكومة، مما أوجد الرياض في حالة شاذة، نتيجة صمتها شبه الكامل على الواقع المستجد.

اكتفت السعودية لفترة بالتفرج على مشهد القتال في عدن، طيلة الأيام الأربعة الحاسمة، حتى استكمال قوات المجلس الانتقالي سيطرتها على أهم المرافق الحيوية في العاصمة اليمنية المؤقتة، بما فيها قصر معاشيق الرئاسي في عدن، لتهب متأخرة وفي الوقت بدل الضائع، لتدعو أطراف القتال إلى الحوار وتعلن وقفاً لإطلاق النار.

تدخل التحالف الذي تقوده السعودية للدفاع عن الحكومة، وقصف حقل فارغ في القصر الرئاسي بعد سيطرة الانفصاليين عليه، كان متأخر جداً، أي بعدما حقق الانفصاليون مكاسب، وتعامل الجنوبيون مع الضربة الجوية على أنها طلقة تحذيرية وغادروا القصر، لكنهم ظلوا يسيطرون على عدن.

لغز الصمت السعودي

المراقب والمتابع للشأن اليمني، يقف حائراً أمام تفاصيل المشهد، وتراوده تساؤلات عميقة، عن دلالات الموقف السعودي مما يحدث، منذ الانقلاب والسيطرة على المدينة من حلفاء أبو ظبي، مع وجود قرائن تفضح بشكل جلي هذا التخاذل، وتشي أن ما حدث كان معداً ومخططاً له سلفاً، بين الإمارات والمتمردين.

ويتحدث اليمنيون بحسرة عما حدث، لعلمهم أن القوة السعودية الموجودة في الميدان طلبت بعض الإحداثيات لتحركات الانفصاليين، لكنها لم تفعل شيئاً.

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وفق القرائن التي تسربت لاحقاً، اجتمع بالمسؤولين السعوديين، وأبلغهم بخطورة الموقف في حينه، واتضح أن الرياض أرسلت عدداً من قادة ألوية العمالقة، ومسؤولين عسكريين قبل أيام من المعركة للحج، بغرض تحييدهم.

وُعود الرياض للرئيس هادي بالمساندة والتدخل لوقف أعمال المتمردين، لم تنفذ، كما أن القوة العسكرية السعودية المتمركزة حول قصر الرئاسة في عدن ظلت متفرجة وفق ما طلب منها.

الأنظار في حينها كانت تتطلع لمخرجات اجتماع الوفد السعودي بوزير الداخلية اليمني أحمد الميسري الذي طلب وقف إطلاق النار دون استجابة، ولاحقاً قامت قوة سعودية بنقل وزيري الداخلية والنقل إلى مطار عدن.

الأيادي الإماراتية

التساؤلات التي تطرح بحثاً عن إجابات تستشف فهم المشهد، الإجابة عنها تكمن أساساً في تتبع الأيدي الإماراتية، ومن خلال تلك الآثار يمكن أن تستشف الحقائق.

انتهجت أبو ظبي منذ بدايات تدخلها في اليمن، في إطار ما يسمى “التحالف العربي لدعم الشرعية” استراتيجية واضحة المعالم، لتقليص نفوذ الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتضييق على حكومته. كما عملت على تكريس سلطة موازية، مدعومة بقوات عسكرية وأمنية، تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب، وتدير عملياتها فيها.

هذا النهج تأكد بشكل جلي بعد إقالة الرئيس هادي، رئيس حكومته، الموالي للإمارات، خالد بحاح، في آذار/مارس 2016 وتضمن قرار الإقالة، الإشارة إلى عدم قيام تلك الحكومة بدمج فصائل المقاومة الجنوبية في وحدات الجيش والشرطة.

وجاء ذلك كرد فعل طبيعي لتطويق تحركات أبو ظبي الواسعة في مناطق يمنية عدة، مدعومة برجال محسوبين على الإمارات في كل شبر تقريباً من أراضي اليمن، فإما كانوا من قبل تابعين لها كبحاح، أو صنعتهم بمنظومة واسعة من تدريبات عسكرية قامت على تجنيد أبناء الأقاليم اليمنية على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.

مسار الأيادي الإماراتية يمتد إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، المعروف بدعواته لإقامة دولة ذات سيادة في الجنوب، وتم تبنيه بشكل علني، ومرافقة خطوات نائبه هادي بن بريك المعروق قربه من حاكم أبو ظبي محمد بن زايد، وتلقي التوجيهات منه مباشرة.

اللعب على المكشوف

ركزت أبو ظبي في تنفيذ أجندتها الخاصة في اليمن على استراتيجية تقوم أساسا على تنفيذ القوات التابعة لها أهدافا مباشرة لترسيخ وجودها ميدانياً مع تقييد حريتها ضمن هذه الأطر لتكون في الأخير مرجعيتها تحقيق تلك المطامح. وهذا حصراً عبر خطة مدروسة لإضعاف قيادة السلطة الشرعية في المناطق المحررة، وخلق انطباع سلبي، داخليًّا وخارجيًّا، إزاء قدرتها على تحمل مسؤوليتها، ومن ثم إزاحتها من المشهد.

ويشير الباحث نيل بارتريك في دراسة أعدها لمعهد كارينيغي للسلام، عن الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن، “أنه في حين تلتزم السعودية والإمارات بخوض الحرب في اليمن، يدعمٌ كل منهما أفرقاء محليين معيّنين يختلفون عن أولئك الذين يدعمهم الطرف الآخر”. ويكشف في تلك الورقة المنشورة أنه وفق تصريحات خاصة حصل عليها من مسؤولين إماراتيين مطلعين على شؤون الأمن القومي “إن اصطفاف أبو ظبي إلى جانب المقاتلين في جنوب اليمن يُمليه واقع أن الرئيس عبد ربه منصور هادي تنقصه الكفاءة، حسب ما أظهرته الأحداث مراراً وتكراراً، ويقبع في مجمعه في الرياض”. ويستطرد الباحث أنه “مع العلم بأن منتقدي الإمارات يقولون إنها تساهم، عن قصد أو غير قصد، في تعزيز مجموعات انفصالية مختلفة في جنوب اليمن تتسبب بدورها في إضعاف اليمن أكثر فأكثر”.

السيطرة ميدانياً

الوقائع والأدلة على الدور التحريضي لأبو ظبي والدفع نحو تكريس حالة الانفصال للجنوب، تؤكدها قرائن ثابتة، على غرار إحباط أي محاولة لعودة الرئيس هادي إلى عدن، واستقراره فيها، مع مصادرة قراره على وظائف أجهزة الدولة الرسمية، وإفشال أي محاولة لترسيخ وجودها.

لاحقا احتكرت كافة أدوات القوة، عسكريًّا وأمنيًّا، وبناء قدراتها، وتعزيز تدريبها، مع قمع قوى المعارضة السياسية، وإفراغ الساحة الجنوبية منها.

ومضت الإمارات نحو استكمال خطة السيطرة على الشريط الساحلي مع موانئه، ومطاراته، ومنشآته النفطية والغازية، والتحكم في مناطق إنتاج النفط، والمنافذ البرية الداخلية والخارجية.

وحالياً تلعب التشكيلات المسلحة التي تتحكم فيها الإمارات في اليمن، أدوارًا مختلفة في الصراع الدائر، يوجه أغلبها نحو تمكين نفوذها في المناطق الاستراتيجية، التي تسيطر عليها.

تبادل أدوار؟

يجمع المتابعون والمراقبون أن السعودية فقدت بوصلتها في اليمن، مع علامات استفهام تطرح حول إدراكها بشكل فعلي لما يحاك لها من قبل حليفها وهل هي واعية بنتائج ذلك، مع تساؤلات تطرح ما إن كان موقفها يعبر عن غباء أم مجرد تبادل للأدوار تلعبه الرياض مع أبو ظبي.

وعبر عن هذا السؤال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي غرد قائلاً:

“لا أفهم طبيعة العلاقات بين حليفين في توزيع الأدوار غير المتكافئة، فإذا كان الأمر توزيع أدوار، فهناك طرف يظهر من دوره أنه غير مدرك لما يجري حوله، بينما يظهر أن الطرف الآخر هو الذي يوزع الأدوار، ويظهر عن قصد أن القرار عنده وليس عند شريكه الآخر والأمثلة كثيرة”.

ودعمت التساؤل تغريدات المسؤولين الإماراتيين والمقربين من دوائر صناعة القرار في أبو ظبي الذين تبنوا طرحاً مسانداً لتحركات الانفصاليين. وتزعم هذا الموقف الوزير أنور قرقاش والمسؤول الأمني في دبي ضاحي خلفان والأكاديمي عبد الخالق عبد الله.

المؤشرات الحالية تزيد المشهد اليمني تعقيداً بالنسبة لأهل البلد وللجانب السعودي الذي يجد نفسه وسط دوامة من المتاهات يصنعها بنفسه، أو يلفها حوله حليفه الإماراتي.

هذه التطورات لخصتها سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة في اليمن باربرا بودين في مقابله تلفزيونية بتأكيدها “إن ما نشهده اليوم في جنوبي اليمن عبارة عن حرب أهلية داخل حرب أهلية.”