ارتفاع عمولات التحويل .. جحيم يحرق اليمنيين في ظل قرارات حوثية مجحفة وتواطؤٍ رسمي واضح (تقرير خاص)

فلوس يمني

(من لم يمت بالقصف مات بالجوع) شعار المرحلة الذي فرضه الواقع المر على اليمنيين في مختلف المحافظات اليمنية من صنعاء إلى عدن ومن سقطرى حتى صعدة ومن حوف إلى تهامة، يعيش اليمني بين حروب متعددة تتساوى في الهدف الذي هو قتل اليمنيين إنهاكهم، تختلف الوسائل وتتفق النتائج، فليس كل حرب قاتلة تستخدم فيها الرصاص والقنابل والألغام والمدافع والدبابات والصواريخ بل إن هناك وسائل أكثر خبثًا وفتكًا من جميع ما ذُكر، فأن يموت أولادك جوعاً أمام عينيك وأنت منعدم الحيلة حينها تشعر بان السلاح الفتاك الذي ينهي حياة احبتك أمام ناظريك هو شبح مرعب لا وجود له في عالم الماديات لكنه يسرق الأرواح بكل بشاعة ولا يرحم أحدا .

في خضم هذه الحروب المدمرة والأوبئة القاتلة داهم اليمنيين عدو جديد يحمل في يديه سلاحًا فتاكًا ومرعب تتحكم فيه الأيادي الخفية من وسط الغرف المظلمة، وتشعل فتيل الانهيار الاقتصادي لينهي ما تبقى من طاقة المواطن المنهك.

اقراء ايضاً :
  • بداية الكارثة

بعد صراع متعدد الوجهات، كان الشبح المخيف يتربص باليمنيين، لينقض على ما تبقى من أحلامهم على حينغفلة، حيث كانت البداية عند قيام جماعة الحوثي بنهب الاحتياطي النقدي للبنك المركزي في صنعاء، تلاها ارتفاع مفاجئ في أسعار العملات الأجنبية وتدهور قيمة الريال اليمني، أعقبها قيام الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، انقطعت على إثره مرتبات كافة موظفي القطاع الحكومي، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين نتيجة رفضهم إرسال الموارد للبنك المركزي في عدن، بحسب إعلان الحكومة الشرعية.
ونتيجة لاستمرار الحرب وعرقلة تصدير النفط والغاز وتوقيف المطارات وموانئ اليمنية وإخراجها عن الخدمة، من قبل التحالف العربي لدعم الشرعية -بحسب مسؤولين حكوميين- لجأت الحكومة الشرعية لطباعة عملة نقدية جديدة من أجل صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، الأمر الذي قابله الحوثي بالرفض، ونتج عنه نهب ملايين الريالات ومصادرتها من التجار والمواطنين بحجة عدم قانونيتها، بحسب زعمهم.

  • تبادل أدوار

وبسبب هذه الإجراءات التعسفية من قبل الحوثيين أصبح هناك قطاعان مصرفيان مختلفان، الأول يديره البنك المركزي في عدن الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، والثاني تتحكم فيه جماعة الحوثي في صنعاء، لتتحول العملة النقدية إلى عملتين، القديمة في صنعاء ، والجديدة في عدن، مع فارق كبير في سعر العملتين، واختلاف غير مسبوق في أسعار صرغ العملات الأجنبية بنسبة تصل 22.2% بين صنعاء وعدن، كما ارتفعت رسوم الحوالات المحلية من عدن إلى صنعاء بنسبة تتجاوز 35% من إجمالي مبلغ الحوالة.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات الحوثية التزمت الحكومة الشرعية الصمت منذ مطلع العام 2020 ، ولم يصدر عن البنك المركزي في عدن أو عن أي مسؤول حكومي أي موقف يتحدث عن الكارثة من قريب أو بعيد، ولم تحرك الحكومة الشرعية ساكنًا، وإظهار نفسها بمظهر العاجز واللامسؤول، في موقف يعتبره مراقبون "تبادل أدوار" بين نافذين الحكومة وجماعة الحوثي.

  • مسكنات وهمية

في ظل هذا الصراع لجأت المملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية، لتقديم ودائع بنكية بين الحين والآخر، تبدو أهدافها الظاهرة وقف نزيف وانهيار الريال اليمني لكنها لا تعدو أن تكون بمثابة مخدر سرعان ما تنتهي فعاليته، في ظل استمرار إغلاق وتعطيل المطارات والموانئ اليمنية بشكل شبه كامل، منذ بداية تدخل التحالف العربي في اليمن في الخامس والعشرين من مارس 2015.

  • كارثة لا طاقة لنا بها

هذا التدهور المروع للاقتصاد الوطني اليمني، والقرارات الممنهجة وغير المدروسة -أيضًا- أسهمت بشكل كبير في تبديد أحلام المواطن البسيط، وتدمير حاضره ومستقبله، حيث اضطر الكثير من سكان المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين للنزوح إلى المحافظات المحسوبة على الحكومة الشرعية، نتيجة انقطاع المرتبات وفرص العمل في صنعاء أو بسبب المضايقات التي يواجهونها تحت سلطة الحوثي لكن معاناتهم لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تسببت إجراءات الحوثيين في ارتفاع عمولات الحوالات الداخلية إلى مناطق سيطرة الحوثيين بنسبة تزيد عن 35% وهي أعلى نسبة رسوم تحويل في العالم.
يقول المواطن اليمني "محمد" والذي يعمل بالأجر اليومي في محافظة حضرموت شرق اليمن إن "رسوم الحوالات أصبحت كارثة لا طاقة لي ورفاقي العاملين بها حيث أعجز عن دفع أكثر من ثلث الدخل الشهري كرسوم تحويل للصرافيين"..

يتوقف محمد عن الحديث ونبرات صوته تخنقه ثم يتساءل قائلا: "ما فائدة الحكومة والشرعية ان لم يكن همها هو عيش المواطن؟؟ نحن لانرى الحكومة إلا في التلفزيون. هي مغتربة مثل أي عامل يمني في السعودية.. أما الحوثي فالكل يعرف أن المواطن لا يهمه وأن سياسته هي القتل والتفجير والموت ولا اهتمام لديه بالوضع المعيشي للمواطنين".

أما علي الذي يعمل في محافظة المهرة شرق اليمن فيقول ان الرسوم المرتفعة تحولت إلى كابوس على العامل البسيط .. مضيفًا: كل أعضاء الحكومة يتقاضون مرتباتهم بالدولار، لذا فالموضوع لا يهمهم خاصة أن جميعهم يعيشون مع اسرهم خارج الوطن فالرسوم وارتفاع أسعار الصرف لن يكون من اهتمامهم.
وتابع : المواطن اليمني البسيط هو الضحية هو الذي يتألم سواء في صنعاء او عدن او الحديدة او المهرة كل حياتنا معاناة.

  • أسباب منطقية

من جانبه يرى "عمر" مدير أحد المصارف في سيئون بان السبب في ارتفاع رسوم الحوالات هو فارق الصرف بين صنعاء وعدن، ويعتبر عمر رسوم التحويل كفارق صرف بين كل من المناطق المحسوبة على الشرعية والمناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي .
ويضيف: الحلول بيد الشرعية والتحالف والحوثي فتوحيد سعر الصرف في جميع المحافظات اليمنية سيحل المشكلة والضغط على الحوثي لقبول الطبعة الجديدة كونها عملة يمنية رسمية.

بدوره علق رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، الخبير اليمني مصطفى نصر، قائلًا: "قلناها مرارا ارتفاع رسوم التحويل للريال من مناطق الحكومة الشرعية الى مناطق سيطرة الحوثيين سببه الرئيسي قرار منع التعامل بالفئات النقدية الجديدة الذي اتخذه الحوثي. البعض للاسف ينسى او يتجاهل السبب. الحكومة الشرعية اخطاءها لا تحصى بل انها مشلولة واكبر اخطاءها طباعة كميات كبيرة من النقود وغيابها المطلق عن الرقابة على تطبيق السياسة النقدية وتحويلات النقود والمضاربة بها!!".
وأضاف نصر، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي: لكن لابد ان يتحمل الحوثي مسئوليته ويلغي القرار او يصل الطرفان إلى تسوية اقتصادية تراعي مصالح الناس".. مؤكدًا أن القرار دافعه سياسي بحت والاستقرار في سعر صرف الريال في مناطق الحوثي شكلي لانه لم ينعكس على اسعار السلع".

وتابع: دول التحالف خذلت الحكومة واليمنيين لأسباب سياسية وتستخدم هذا الملف لمزيد الابتزاز متخلية عن مسئوليتها فيما يغيب عن المشهد المسئول اليمني الذي يقول يكفي عبثا! نحن امام مشهد عبثي للغاية ضحيته الملايين من اليمنيين الذين تتبخر العملة من بين ايديهم وسيجدون يوما ما الطريقة المناسبة لرد الصاع صاعين كلا بقدر اجرامه بحق هذا الشعب المخذول!! والله المستعان))