2019/04/26
ما عدا قطر وعمان .. دول الخليج تغلق أبوابها في وجه ‘‘الرئيس الراحل’’ والأخير يحتفي بالنصر المؤزر ويهاتف التويجري ويلعب ‘‘البلياردو’’ (تفاصيل)

كان الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد مقيما في دمشق بعد خروجه من صنعاء عشية إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو (أيار) 1990، وما أن انتهت حرب صيف 1994، التي شاركت فيها القيادات التي خرجت معه في 13 يناير (كانون الثاني) 1986، وظهر جليا التوجه نحو تعزيز السيطرة على الجنوب، استعان “صالح” بأنصار علي ناصر، وتمت عملية إقصاء لكافة العناصر المرتبطة بالحزب الاشتراكي في الأجهزة العسكرية والأمنية والوظائف المدنية العليا والمتوسطة، وصارت السياسة المتبعة بعد ذلك هي أن مجموعة علي ناصر محمد (عُرفوا بالزمرة بعد يناير 1986) أضحت بديلا عن الحزب الاشتراكي في الحكم، وصار ممثلوها بديلا عن خصومهم القدامى (الذين كانوا معروفين بالطغمة).

 

 

عــــــــــاجل : فيديو جديد ورد الآن من الضالع .. شاهد ماذا يحدث بعد اجتياح الحوثيين

 

 

 
 

 

بقيت علاقة “صالح” مع دول الخليج مجمّدة والاتصالات مقطوعة عدا قطر وسلطنة عمان، الأولى لموقفها الداعم أصلا للحرب ضد إعلان الانفصال، والثانية بحكم الواقعيّة السياسيّة التي تمارسها في علاقاتها الخارجية، فقد أرسل السلطان قابوس وزير الإعلام عبد العزيز الرواس فور إعلان انتهاء الحرب ليعلن أن واقعاً جديداً قد تشكّل ويجب التعامل معه ومع آثاره.

وحاول “صالح” طرق أبواب الرياض وأبو ظبي، إلا أن الحنق عليه كان مضاعفا بسبب موقفه من غزو الكويت ثم هزيمة مشروع الانفصال، الذي أعلنتا دعمه معنويا وماديا، وظلت القطيعة مستمرة رغم محاولات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر مع الرياض التعويل على علاقته القديمة معها، وأبلغ الرياض: (أنا معكم في كل موقف إلا ضد علي عبد الله صالح). واستمرت الجفوة الشديدة وكان لها أثر واضح على حالة الاقتصاد، زاد من سوئها عودة أكثر من مليون مغترب مع أسرهم في 1990، ما نتج عنه ضغط شديد على كافة الخدمات الأساسية والبنية التحتية الضعيفة أصلا.

ركّز “صالح”- بعد الحرب- جهوده جنوبا في عدن وحضرموت فشهدتا حركة عمرانية نشطة وتحسنا في البنية التحتية، إلا أن ذلك اقترن بالتغاضي عن الاستيلاء علـى أراضي الدولة وتوزيع بعض مباني الدولة والملكيات الخاصة على النافذين من المناطق الشمالية الذين مارسوا تصرفات لم يعمل “صالح” على كبحها بمبرر أنهم شركاء الحرب، وأسهم ذلك في بدء عملية استقطاب في الجنوب، بين مؤيِّد للوحدة للحصول على غنائم الحرب، وناقم عليها لأنه فقد مصالحه وامتيازاته. ونال الحزب الاشتراكي، قيادةً وأعضاءً، الحصة الكبرى من الانتقام، فتم تجميد كافة أرصدته واحتجاز مقاره وممتلكاته، التي توزعها المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح في كل أنحاء اليمن، وتم التحقيق مع العديد من رجال الأعمال الذين دخل معهم “الحزب” في شراكة لاستثمار أمواله وتم الضغط عليهم من الأجهزة الأمنية ومصادرة جزء منها مقابل الإفراج عنهم.

خلال تلك المرحلة، لم التقِ “صالح” ولم أكن على تواصل معه، وكان الشهيد عبد العزيز عبد الغني وعبد الكريم الإرياني ومحمد سالم باسندوة -بين كل المسؤولين- على قدر من النبل والشجاعة والترفع لاستقبالي في أي وقت رغبت في لقائهم، وكانوا يسعون في محاولة للتخفيف من مشاعر “صالح” السلبية تجاهي نتيجة ما كان يصله من الأجهزة الأمنية عن علاقاتي مع كثيرين من خصومه ومنتقديه.

 وبقي الحال على ما هو عليه حتى 30 ديسمبر (كانون الأول) 1994، حين أبلغني أحد أبناء عمومتي، الشيخ العزي نعمان، أن (الرئيس) صالح وصل إلى تعز بعد أول زيارة إلى عدن إثر انتهاء الحرب وحثني على الاتصال، وكنتُ حينها في مدينة المخا الساحلية للاسترخاء على ساحلها الجميل وبين أهلها الطيبين. في المساء اتصلت بقصر الشعب (القصر الجمهوري بتعز) وطلبت الحديث إلى (الرئيس)، وتكلمنا لدقائق فطلب مني أن أمرّ على الدكتور عبد الكريم الإرياني والحضور معه صباحا. اتصلت بعدها بالإرياني فأكد الأمر.

في صباح اليوم التالي توجهت إلى تعز للقاء الدكتور في منزل شقيقه القاضي فضل، رحمه الله، وتناولت طعام الإفطار معه وخرجنا بسيارته إلى قصر الشعب. كان الإرياني يحمل بيده حقيبة بدت ثقيلة فطلبت أن أساعده لكنه اعتذر مازحا أن (القضية في الحقيبة The case is in the case) وشرح لي بضحكته الصاخبة الذكية أن ملفات وخرائط النزاع الحدودي اليمني– السعودي في داخلها، وأنه لا يسلمها لأحد ولا يأتمن أحدا عليها، وعند وصولنا إلى القصر، دخل إلى مكتب الرئيس وطلب مني الانتظار، وبعد دقائق دعيت للالتحاق بهم.

كان اللقاء الأول مع “صالح” منذ 1992، ووجدت في مكتبه نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان أول لقاء بيننا، والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والصديق اللواء عبد الله البشيري أمين عام رئاسة الجمهورية وطبعا الدكتور الإرياني.

فور دخولي بادرني “صالح” بسؤال عن علاقاتي في الخليج، فأجبته أنها امتداد لعلاقات والدي وأني لا أستخدمها إلا لخدمة اليمن، وفاجأني الشيخ الأحمر بسخرية، قائلا: (أشك في هذا.. أنت كنت مع منظمي المؤتمر الجماهيري بتعز ومع علي البيض)، فأجبته: (كلنا نعرف من الذي يسخّر علاقاته مع المملكة لصالحه ويتكسّب منها، ومَنْ الذي يسخّرها لصالح اليمن). ضحك هادي، وقال صالح: (أنا واثق من كلام مصطفى وكان في سويسرا للعلاج من حادث سير وقع له في نفس الفترة ولم يعد إلا بعد المؤتمر). بعد ذلك عرض عليّ “صالح” أن أذهب سفيرا إلى ليبيا فاعتذرت ساخرا، وقلت له: (أنا محسوبٌ على الرجعيين، فلا أجد في هذا الموقع ما يناسب ميولي وقناعاتي)، فردّ: (تذهب قائما بالأعمال في الكويت)، قلتُ لصالح: (السفارة مغلقة هناك)، وكان جوابه: (لقد التقيت الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت في تونس ورحّب بإعادة العلاقات)، وحسم الإرياني ترددي، قائلا: (ممتاز). وبعد خروجنا من القصر قال: (هذا الموقع حماية لك من استفزازات جهاز الأمن، وإشهار بأن الرئيس لم يعد غاضبا عليك). ومن بعدها صرتُ أستخدم صالة كبار الشخصيات بمطار صنعاء وأسافر من دون مضايقات ولا تفتيش، وعدت إلى صنعاء فور انتهاء اللقاء.

 بقيت أيام سافرت بعدها إلى سويسرا لزيارة والدي، وعند اقتراب شهر رمضان في ذلك العام الموافق فبراير (شباط) 1995،عدتُ إلى اليمن، وعصر أحد الأيام تلقيت اتصالا للحضور إلى دار الرئاسة فذهبت فورا. وكان ذلك اليوم بداية مرحلة مختلفة من العلاقة مع صالح، صرت بعدها ضيفا معتادا في مقيله وحاضرا مع كبار رجال الدولة بالعديد من المناسبات التي كان يلتقيهم فيها.  ولكن الأهم من ذلك أني صرت مدعوا عند الكثيرين ممن كانوا قبل ذلك يقلقون ويتجنبون دعوتي وكنت أقدّر لأصحاب المصالح خشيتهم من اقترابي من دوائرهم خشية إغضاب صالح. وكان ذلك درسا عمليا عن الخلط المؤسف بين العلاقات الإنسانية والمواقف السياسية.

كان صالح في عصر ذلك اليوم يلعب البلياردو مع واحد من مرافقيه، وهي إحدى هواياته المفضلة، فتوقف عن اللعب ورحّب بي وسألني: (متى آخر مرة تحادثت فيها مع الشيخ عبد العزيز التويجري؟)، وكان أقرب إنسان لولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزير ونائبا له في الحرس الوطني. فأجبته أني أتواصل معه في المناسبات الاجتماعية. قال: (اتصل به الآن وبارك له على قدوم شهر رمضان). أعطيت تحويلة دار الرئاسة الرقم، وتحادثت مع التويجري. وفي نهاية المكالمة طلب مني نقل سلامه لصالح، إلا أني لم أكتفِ بذلك، بل سلّمت سماعة الهاتف للرئيس فتبادلا التحية بمناسبة شهر رمضان، وكان أول اتّصال مباشر بينهما، وربما بين الرئيس والرياض بعد تحرير الكويت.

كانت المكالمة هي الاختبار الذي مهّد له صالح بدعوتي إلى قصر الشعب بتعز قبل ذلك بأشهر، وكان له هدف لم أفهمه حينها.

(وللحديث بقية).

الدبلوماسي اليمني : مصطفى النعمان

تم طباعة هذه الخبر من موقع ناس تايمز www.nasstimes.com - رابط الخبر: http://yen-news.com/news50539.html